القامشلي السورية.. “الأمور خرجت عن السيطرة” والنظام يستنجد بـ”أبناء العشائر”

سواليف

تخيم على مدينة القامشلي السورية، شرقي البلاد، “أجواء حرب” منذ ثلاثة أيام، بعد اندلاع اشتباكات مسلحة بين القوات الأمنية التابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من جهة وقوات “الدفاع الوطني” التي تعتبر من أبرز التشكيلات الرديفة لقوات نظام الأسد من جهة أخرى.

وعلى الرغم من كون هذه المواجهات ليست جديدة على المنطقة، وكان آخرها في فبراير الماضي، إلا إن مشهدها الحالي يأخذ زخما تصاعديا أكبر، لاسيما مع إعلان القوات الأمنية التابعة لـ”قسد” والمعروفة باسم “أسايش”، السيطرة على عدة مواقع ونقاط لـ”الدفاع الوطني” في حي طي، الذي يعتبر قاعدة التمركز الأبرز له في القامشلي.

وبالإضافة إلى ذلك أدت الاشتباكات في أيامها الثلاث إلى مقتل قوات من الجانبين، بينهم قياديون، كما سقط ضحايا من المدنيين، آخرهم الشيخ هايس جريان الحسن أحد أعضاء وفد “التهدئة”، حسب ما ذكرت مصادر إعلامية من القامشلي في تصريحات لموقع “الحرة”.

وتضيف مصادر محلية مقيمة على مقربة من حي طي “لا يسمع إلا صوت الرصاص والرشاشات الثقيلة والمتوسطة. هناك حرب حقيقية تجري على الأرض. كر وفر واشتباكات لا تهدأ وتصاعدت مع صبيحة يوم الجمعة”.

وتشير المصادر إلى أن قوات “أسايش” سيطرت على حاجزين ومقرا لـ”الدفاع الوطني” في حي طي مع ساعات صباح الجمعة إلى جانب مدرسة فاضل حسن الواقعة في الجهة الشرقية من الحي ومدرسة ابن سينا، موضحة أن ذلك يأتي بعد فشل التوصل إلى اتفاق، رغم دخول الجانب الروسي على الخط وأيضا وجهاء وأعيان منطقة “الجزيرة السورية”.

“الأمور خرجت عن السيطرة”

من جانبه يقول الأكاديمي الدكتور فريد سعدون وهو أحد أعضاء وفد “التهدئة” “الأمور خرجت عن السيطرة بعد ما خرجنا ليلة أمس من الاجتماع، وانقتل أحد أعضاء اللجنة وهو الشيخ هايس الجريان”.

ويتابع سعدون في تصريحات لموقع “الحرة” “الأمور تعقدت أكثر الآن. كان هناك توافق أمس الخميس لأن الاجتماع حضره مسؤولين كبار من الإدارة الذاتية بالإضافة إلى تواصل مع الدفاع الوطني. للأسف بعد انتهاء الاجتماع تعرض أحد أعضاء اللجنة للاغتيال”.

والشيخ هايس الجريان أحد وجهاء عشائر الحسكة، ويتبع له مسلحون وكانوا قد دخلوا على خط المواجهات ضد “الدفاع الوطني” في الساعات الماضية.

ويشير الأكاديمي المقيم في القامشلي “في الساعات الماضية تم اتخاذ القرار بعدم الالتزام بالهدنة، وتحول الأمر إلى اجتياح حارة طي ومساكن حلكو. أسايش سيطرت على جميع المساكن ويتم تمشيطها”.

لكن وعلى الرغم من تقدم “أسايش” عسكريا، إلا أن سعدون يرى أن “ذلك لا يعني أن المشكلة قد انحلت بالكامل، فالأمر يحتاج إلى حل سياسي”.

ويرتبط الحل السياسي بسؤال طرحه الأكاديمي “كيف يمكن إدارة المدينة ومساكن حلكو التي كانت حتى ليلة أمس تحت سيطرة الدفاع الوطني. الآن لابد من الاتفاق على آلية هاتين المنطقتين وبالتالي الأمر يحتاج لمناقشات بين الأطراف جميعا من السريان والعرب والكرد”.

“من أشعل الشرارة؟”

رغم السيطرة الخالصة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” على الجزء الشرقي من سوريا منذ سنوات، إلا أن النظام السوري احتفظ بوجود أمني محدود له، ضمن مربعين أمنيين في القامشلي ومركز الحسكة.

كما تتبع له بعض المؤسسات مثل مثل دائرة السجل المدني والقصر العدلي ومديرية المالية بالقرب من الكراج السياحي، إضافة إلى مطار القامشلي الذي تسيطر عليه موسكو بشكل كامل.

وحتى الآن تغيب الأسباب الرئيسية لاندلاع الاشتباكات بين الطرفين، في ظل روايات متضاربة ما بين قوات “أسايش” وقوات “الدفاع الوطني”، واتهامات متبادلة عن إطلاق النار واعتقالات ومحاولات “استفزاز”.

في المقابل يرى مراقبون أن الأسباب ترتبط بملف قوات “الدفاع الوطني” في مدينتي القامشلي والحسكة، لاسيما أن هذا التشكيل كان قد تصدر المواجهات في فبراير، وقبلها أيضا في عامي 2017 و2019.

“إيران من خلف الكواليس”

وتعتبر قوات “الدفاع الوطني السوري” التشكيل العسكري الأبرز الذي يتهم بتلقيه الدعم من جانب طهران، وهو الأمر الذي أكدته عدة تقارير إعلامية، في السنوات الماضية.

وسبق وأن كان إخراج قوات “الدفاع الوطني” من المنطقة شرطا أساسيا لـ”الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا لفك الطوق الأمني على عناصر النظام في المربعين الأمنيين، مطلع العام الحالي، ليتم القفز عن هذا الشرط فيما بعد، عقب اتفاق توصل إليها الطرفان بوساطة روسية.

الرئيس المشترك لمكتب الدفاع في “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا، زيدان العاصي يقول إن نظام الأسد يحاول “إثارة البلبلة في مدينة القامشلي، وسبق وأن عمل على ذلك في الحسكة. هذا الأمر تكرر بشكل كبير بإيعاز منه”.

وكشف العاصي أن الاشتباكات الحالية في حي طي بالقامشلي تختلف عن سابقاتها، بسبب دخول “قوات إيرانية على الخط”.

ويضيف العاصي في تصريحات لموقع “الحرة” “هذه المرة هناك تدخل إيراني. تحاول إيران تخريب أمن واستقرار هذه المنطقة لكي تكون ورقة ضغط بيدهم في الملفات التي يبحثونها مع الجانب الأميركي”.

ويشير العاصي إلى أن “الإيرانيين مشتركون بشكل فعلي في المواجهات. هناك قناصة إيرانيون متوزعون على الأبنية داخل حي طي”.

ووجه القيادي في مكتب الدفاع اتهامات للجانب الإيراني بعرقلة اتفاقيات وقف إطلاق النار في الساعات الماضية.

ويتابع “كان هناك توافق بين الروس والوجهاء وقوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي على إيقاف إطلاق النار، لكن الذي حدث أن قوات الدفاع الوطني والقناصة الإيرانيين خرقوا إطلاق النار”.

واعتبر العاصي أن نظام الأسد يحاول توسعة مناطق سيطرته في المنطقة، بغاية التحضير للانتخابات الرئاسية، “كما أن الإيرانيين يحاولون زعزعة استقرار أمن المدينة، لكسب ورقة ضغط ضد أميركا”، حسب تعبيره.

“النظام يحرض العشائر”

في مقابل رواية القوات الكردية في القامشلي هناك رواية أخرى مغايرة لنظام الأسد، وكان محافظ الحسكة، اللواء غسان خليل قد أرجع المواجهات إلى “المحاولة الفاشلة لخطف قيادي في الدفاع الوطني من قبل قسد”.

وقال خليل في تصريحات لوسائل إعلام مقربة من النظام الثلاثاء “الاشتباكات تسببت بنزوح مدنيين نحو حيي حلكو – الزهر، ونحو مطار القامشلي، كما سجلت خسائر مادية كبيرة في منازل الحي”.

بدوره قال “الدفاع الوطني في الجزيرة السورية” عبر صفحته في موقع فيس بوك” إن “خطة الهجوم عل حي طي في القامشلي تمت دراستها أميركيا، لأن سورية مقبلة على الاستحقاق الرئاسي”.

وكان لافتا تحريض “الدفاع الوطني” ووسائل إعلام النظام السوري الرسمية أبناء العشائر في الحسكة والقامشلي من أجل المشاركة في الاشتباكات ضد القوات الأمنية لـ”قسد”.

ونشرت وكالة “سانا” بيانا الجمعة قالت إنه لشيوخ ووجهاء قبيلة طي في ريف القامشلي، وقالت إنه تضمن “ضرورة التكاتف والوقوف في وجه قسد المدعومة من الاحتلال الأميركي”.

وأضافت الوكالة نقلا عن البيان “ندعو أبناء العشائر المنخرطين في صفوف قسد إلى الانسحاب الفوري، وإعلان المقاومة الشعبية ضد المحتل الأميركي وأدواته والمواجهة بكل عزة وشرف”.

“لا حلول في الأفق”

وحتى اليوم تغيب أي بوادر تهدئة بين قوات “الدفاع الوطني” الرديفة لقوات الأسد وقوات “أسايش”، على الرغم من دخول الروس على خط “التهدئة” وأيضا الولايات المتحدة الأميركية.

وفي تصريحات نقلتها وكالة “روداو” قال قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال كينيث ماكنزي، إن بلاده ستبذل جهدها لوقف الاشتباكات الدائرة في مدينة القامشلي، عن طريق الحوار.

الباحث في الشأن الكردي، شفان إبراهيم يرى أن الاشتباكات تعود بالدرجة الأولى لوجود أكثر من قوى عسكرية مسيطرة على الأرض في مدينة القامشلي، مشيرا إلى أن “هناك أكثر من مصدر عسكري يعطي القرار. هناك ثنائية للقرار العسكري وهذا الأمر سيؤدي حتما إلى التصادمات في أي مكان”.

ويقول إبراهيم المقيم في القامشلي في تصريحات لموقع “الحرة” “يبدو أن لا حلول تلوح في الأفق في الوقت الحالي، كون الضمانات غائبة، سواء من قبل روسيا والقوات التي تدعمها أو أميركا والقوات التي تدعما أيضا”.

ويوضح إبراهيم أن المدنيين هم ضحايا هذا الصراع، وبالتالي من شأن الأخير أن يهدد السلم الأهلي بين المناطق التي تسيطر عليها “أسايش” من جهة وقوات “الدفاع الوطني” من جهة أخرى.

ويمثل حي طي نقطة تماس مباشرة مع الفوج العسكري ومطار القامشلي الذي تحول مؤخرا إلى قاعدة عسكرية لروسيا، وبوجهة نظر الباحث “ليس من السهل أن تكون قسد في كامل الحي”.

ويضيف إبراهيم “حاليا هناك هدنة وفي حال خرقها فإن ذلك سيعني حتما مزيدا من التصعيد. القضية لن تنتهي بمن فقد أكبر عدد من محاربيه وعناصره بل القضية ما بعد المعركة. من يدير المنطقة وهل هناك تقبل مجتمعي للون الجديد؟”.

المصدر
الحرة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى