الفيدرالية السورية : سلاح إيران القادم لتهديد الأمن العربي

سواليف .. كتب د . نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

الفيدرالية السورية : سلاح إيران القادم لتهديد الأمن العربي
الجزء الأول

هل تسعى إيران فعلاً لتقسيم سوريا كبروفه تجريبية لمحاكاة سيناريو الحل للأزمة العراقية ؟ وما هي الاستراتيجيات التي تسعى طهران لتوظيفها لتحقيق ذلك على أرض الواقع ؟ وهل هناك توافق إيراني مع كل من أمريكا و روسيا وإسرائيل لتحقيق ذلك والغايات والدوافع من ورائه ؟.

الهدنة ما زالت ورقياً سارية على الأرض ، والتطورات الميدانية من خلال العمليات العسكرية التي يخوضها النظام السوري ومليشياته التي تذبح الشعب السوري الأعزل يومياً مستمرة أيضاً ومطلوبة كما أعلنت عن ذلك موسكو والنظام السوري وطهران ومليشياته . وكل ما يجري من تطورات وانتصارات عسكرية وهمية في سوريا هي امتداد للمناورة السياسية للأطراف الدولية، التي أكدت على ضرورة استغلال القناعة الدولية بضرورة إيجاد حل سياسي وناجع للأزمة السورية ، بما ينسجم مع مصالحها ، خاصة مع الضغوط التي يمثلها تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا ، وما يمثله ذلك من خطر عليها .

تتزامن هذه التطورات مع اعتراف روسيا بأنها مستمرة في دعم النظام السوري بلا حدود أو قيود ، وفي مقابل ذلك تخرج علينا إيران بأنها متفقة مع رغبات الشعب السوري والنظام معاً ، وتطرح تساؤلاً إلى أي مدى يمكن لهذا النظام الصمود لوقت آخر؟ مع التشكيك بمدى قدرة روسيا الاستمرار في القتال إلى جانب نظام بشار الأسد وجيشه المتهالك إلى ما لا نهاية ؟ ولا ندري كيف يتسق هذا التصريح مع الفوضى المفاهيمية التي بتنا نعيشها ، وتحقيق العدالة ومنع الجرائم الإنسانية ، والوقوف بحزم ضد المساومة على أرواح الشعب السوري الذي تشرد بين أصقاع المعمورة ، ليفترش الأرض ويلتحف السماء .

تنافس لبطولة الاستحواذ على الكعكة السورية

بوتين هرع بهدف حماية نفوذ بلاده في المتوسط والساحل السوري، حتى يكونوا موجودين أثناء تقسيم الكعكة السورية، معلناً أن النموذج العراقي لا يمكن أن يتكرر مطلقاً .أما الإيرانيون فقد هرعوا لحماية أحد أقطاب محور الممانعة ، ولنشر دينهم بالنسخة الإيرانية من خلال الذبح والقتل والتهجير ، ورسم خارطة جديدة لمجالهم الحيوي ، تمهيداً لإعادة مجد إمبراطوريتهم ، والقائم أساساً على مشروع اقترحه مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني وصادق عليه خامنئي ” نائبإمام الزمان ” بحلول العام 2020 م .

لا شك بأن الأمور قد تغيرت وتبدلت الآن بناء على التطورات الميدانية وضمان المضي بها حتى النهاية ، وأن طهران فهمت ما يحدث في الشرق الأوسط ضمن قراءة مختلفة هذه المرة بعد التدخل الروسي ، وأن هناك عملية جديدة لإعادة رسم شرق أوسط جديد، ويريدون شرقا أوسط جديدا مقسمًا ومتنوعًا طائفيًا ومذهبياً ، حيث تريد إيران أن تكون طرفًا فاعلاً في المحور المكون من روسيا وأميركا وإسرائيل ، واستغلال هذه اللحظة التاريخية لإعادة رسم التوازنات ، وحسم الموقف لمصلحتها ، وأن التصريحات الغربية حول وحدة سوريا ، والتأكيد على مطالب شعبها بالحرية والديمقراطية هي من باب التسويق السياسي ليس إلا .

الكل متفق أن لديه طموحاته ومشاريعه الخاصة به ، و التحليل الموضوعي للوضع القائم في سوريا ، والذي يتوافق فيه جميع الشركاء على تنفيذ جريمتهم ، يصل إلى نتيجة مؤداها حتمية انهيار نظام الأسد،مع إعطاء هامش يضمن سيطرة هيمنة داعش على أكبر قسم من سوريا والعراق ، مع تسهيل نقل العمليات الإرهابية إلى أوروبا ، إلى جانب تبني إستراتيجية الترويج لفشل الهدنة بحجة أن المعارضة لم تحترمها ، والتمهيد لإعلان تعثر مسار المفاوضات جنيف 3 ، ليقولوا للعالم إننا يجب أن ننتقل حكماً إلى الخطة ب أو سيناريو التقسيم لحماية الأمن الإقليمي والدولي ،وليس هناك أية إمكانية لحل سياسي خلاف ذلك .

إيران وروسيا سارتا ضمن إستراتيجية أرادت من خلالهما رؤية النظام السوري قادراً على حسم الأمور عسكرياً على الأرض ، فيصار عندئذ إلى الضغط على المعارضة لترضخ وتحاوره، أما الولايات المتحدة فمارست إستراتيجية إضعاف المعارضة ، بأبشع صورها ، حيث لم تعد ترغب في تقدم المعارضة إلى حد أنها منعت كل مساعدة يمكن أن تصلها ، ومنعت دول الخليج عن تقديم الأسلحة النوعية التي من شأنها تغيير الموازين على الأرض.

وتتواتر المعلومات حول تسريبات تفيد بتواطؤ أمريكا مع نظام الأسد من خلال فتح قنوات للتعاون الاستخباري معه ، من هنا إلى أي مدى يمكن الاستمرار في دعم نظام تتضاءل فرصه للبقاء لحظة بلحظة ؟ بالمقابل فإن روسيا وإيران تعتبر أن ما يفاقم الأزمة السورية، ويحول دون الحسم العسكري لنظام بشار ، وحتى الانتقال إلى حل سياسي لصالح النظام مرده استمرار الدعم العسكري والمالي الذي تقدمه بعض الدول الخليجية ؛ لا سيما السعودية وقطر ، والتي عليها دفع ثمن مواقفها بإيجاد حل للأزمة السورية وفق الرغبة التي بات يصطلح على تسميتها بالدولية .

طهران –موسكو – واشنطن تُصلي معاً لضمان التحول للخطة ب

ما هو الحل إذاً ؟ هل من خلال سلسلة مؤتمرات جنيف العبثية التي لا تعدو عن كونها محاولات للتسويق لفكرة استنفاذ الحلول السياسية ؟ وما هو مغزى حديث إيران وروسيا والولايات المتحدة أن يكونوا عرّابي الحلّ، وما داموا قد فشلوا من خلال الخطط التي تبنوها لإنقاذ النظام وإبقائه ، من هنا جاء تيقنهم بضرورة الانتقال إلى «الخطة ب » التي اعتبرها هذا الثالوث «أساساً ممكناً للحل» ، والتي لوحت طهران باللجوء لها قبل أكثر من عام ونصف ، وأدركوا في نهاية المطاف أن الشعب السوري ومعارضته المسلحة لن تستسلم في نهاية المطاف ، ولا بد من حلول سريعة وناجعة .

لكن من يبحث عن الحل الآن لم يعد يعنيه الحفاظ على وحدة سورية شعباً ودولةً وجيشاً وأرضاً ومؤسسات – على افتراض أن هذا هو هدف «التفاهم» الإيراني – الأميركي – الروسي القادم بعد تبني إيران عرابة الفوضى الإقليمية وقائدتها لإستراتيجية الإشعال التدريجي لـ «حرب أهلية».، وتبني سياسة «التطهير العرقي/ الطائفي» ، ووضع مخطط لإعادة النظر في توزّع السكان حسب المناطق ، بعد المذابح التي قامت بها ، لتحقيق مخطط التهجير القسري الذي نجحت من خلاله بتهجير أكثر من 5 مليون مواطن سوري بين الداخل والخارج .

وعندما تحدّث علي ولايتي مستشار خامنئي عن تصاعد «مخاطر» التقسيم في سوريا لم يكن يحذّر مما يرفضه وإنما كان يبلّغ بأن إيران باتت جاهزةً لقبول مثل هذا الاحتمال في سورية بعد أن طرحت هذا السيناريو في العراق، ضمن إطار «الفيدرالية». وبات هذا الأمر خياراً مقبولاً بالنسبة إلى إيران، لأن الحرب الدائرة حالياً هي حرب شيعية – سنيّة أصبح لها امتداد إقليمي في سوريا والعراق ولبنان واليمن ؛ وأنه لا بد من حماية الأقليات الشيعية في المنطقة ضمن تصور أهمية حمايتها ضمن صيغة دولية توافقية تقتضي أن تكون ضمن فيدراليات لها من الاستقلالية الدستورية والقانونية .

وضمن هذه الرؤية بات تقسيم العراق وسوريا بمثابة الحل الوحيد، حيث بات من المهم عند إيران هو تنفيذ مخططها ، ورسم مستقبل نفوذها ، مستغلة سياسة خلط الأوراق بسبب الحرب الدولية على داعش» ،وضعف نظامَي بشار الأسد وحيدر العبادي ،وعنصريتهما الطائفية والمذهبية ، مما جعل طهران تتبنى سيناريو التقسيم باعتباره الحل الوحيد الذي يمكّنها من الحفاظ على مصالحها الحيوية في سوريا ، والعراق و لبنان، وبدأ خيار التقسيم يتحوّل أكثر فأكثر إلى رغبة دولية ” غربية وإسرائيلية “جامحة . طبعاً بعد توظيف فزاعة «داعش» للتأكيد على استحالة التعايش مع الآخرين ، مما يجعل سيناريو الفيدرالية هو الأنجع – برأيها – لتحقيق الاستقرار ؛ وهذا طبعاً كذبة كبرى إذ سوف تنتقل المواجهة إلى الصراع الداخلي بين مكونات هذه الفيدراليات لتعود المنطقة إلى القرون الوسطى من جديد .

لا شك أن التواجد الإيراني الكثيف في سوريا هدفه الآن إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا النظام ، وتكريس واقع جديد للأقليات السورية، ومنها الطائفة العلوية والشيعية ، ورسم خارطة ديموغرافية جديدة للشعب السوري قائمة على التهجير وإعادة التوطين ،ضمن حدود جغرافية خطيرة ، مع تشجيع هجرة شيعة الشتات ” أفغانستان ، العراق …..” إلى سوريا ، تمهيداً لتوطينهم ، فضلا عن حماية مصالحها الإستراتيجية في المنطقة في ظل “حالة السيولة الإقليمية ” التي ينبغي استثمارها ، مع تغليف ذلك بإطار مذهبي طائفي خرافي .

إلى جانب ذلك تفكر إيران جدياً في وضع الآلية حول الكيفية التي ستكون فيها القوات الإيرانية والمليشيات والمرتزقة بمثابة العامود الفقري لقوات الفيدرالية لحماية الطائفة العلوية والشيعية في سوريا ، ولتُمثل أحد أدواتها الضاربة للحفاظ على مصالحها ، وأن تكون جسراً للتواصل لتكوين قوس الهلال الشيعي، والمستعدة لخوض حروب الوكالة عوضاً عنها مستقبلاً .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى