الفوضى البديلة هي عنوان الرسالة الأمريكية للمنطقة

الفوضى البديلة هي عنوان الرسالة الأمريكية للمنطقة
د. كمال الزغول

تصريحات ترامب الأخيره خلال توقيعه يوم الأربعاء المنصرم على أمرٍتنفيذي يتعلق بالشفافية في التوجيه والتنفيذ للحكومة الفدرالية قال أن ” الأكراد لم يقفوا مع امريكا في الحرب العالمية الثانية وفي نورمندي وكانوا يدافعون دائما فقط عن اراضيهم” وألمح أيضاً الى أن الهجوم التركي هو “فكرة سيئة” وفي الوقت نفسه قال أن تركيا يجب أن لا تسمح لداعش بالانتشار في إشارة لرضاه عن العملية ضد داعش وقبوله بفكرة الفوضى البديلة!!، هذا يدل على أن رسالة الامريكان للأتراك بالهجوم على الأكراد تحمل في طياتها رسالة لخلق فوضى بديلة ومتجددة.وهذه الرسالة المبطنة يتشكل بها الهجوم المعاكس السياسي الأمريكي على الارض السورية ،ولا يمكن أن يفسر على عكس ذلك ،فعندما تترك أمريكا الأمر لتركيا لشن عملية واسعة على طول المنطقة الآمنة والتي تمتد ٣٠ كيلومتر في الاراضي السورية فهي تنطلق منها وتضرب بسيف حليف وتتنصل من حليف آخر وهم الأكراد.
إن تخوف الإتحاد الاوروبي من شن عملية تركية في الشمال السوري هو كابح مستقبلي لها، لكن ما يبدو في العلن ان الدول الأوروبية خائفة من فرار المعتقلين من “داعش” ويُقدرون حسب ما يدعون بالآلاف في سجون قوات سوريا الديمقراطية ، لكن الإتحاد الأوروبي بنفس الوقت وفي الباطن يتخوف من عدم استقرار شحن برميل النفط من العراق وايران وعدم توفر استقرار تجاري في المنطقة ،وعطفاً على ذلك،فإن خوف العراق من عودة “داعش” بسبب هجوم تركيا في ظل المظاهرات القائمة هو تخوُّف مبرر ،لكنه تخوف من فوضى لن تسمح بها امريكا الا اذا ارادت بذلك ضرب ايران وعمقها الشعبي في العراق.
إن انسحاب امريكا من شمال سوريا والسماح بالهجوم التركي يُخفِيان هدفا مبطنا، وقد يكون هدف ثلاثي الأبعاد يشمل توريط تركيا، واستنزاف ايران، وقلب أوراق روسيا في سوريا في ظل تخفيف حدة التوتر في اليمن، واللعب على وتر المفاوضات هناك ،بالإضافة لذلك ،جاء انسحاب امريكا من سوريا لزيادة فرصة نجاح ترامب في الانتخابات القادمة، وأيضا هو عمل استباقي لتجنب الركود المتوقع في الإقتصاد ، وذلك بإشعال الفوضى البديلة ، وخلق سوق سلاح جديد في المنطقة لبيع صفقات اسلحة خاصة بعدما علت سمعة السلاح الروسي لنظام الدفاع الجوي اس٤٠٠ بشكل ملحوظ بعد القصف الذي تلقته شركة ارامكو بعدما اتضح ضعف المنظومة الدفاعية هناك .
إن تهيئة المسارح ضد حلفاء روسيا مثل ايران وكبح جماح روسيا نفسها تتطلب تهيئة بيئة جيوسياسية ملتهبة تقلب الاوراق السياسية والعسكرية على الأرض وذلك بإلهاء اللاعبين واستنزافهم بالفوضى الجديدة ، وبها يتم خلق معارك جديدة بعيدة عن اسرائيل في ظل الاستعدادات لتشكيل حكومة اسرائيلية جديدة وانشغال اسرائيل بحماس وحزب الله.
وبشكل عام، فإن تهيئة مسرح جيوسياسي يضمن أمن اسرائيل ،وفتنة المنطقة وانتعاش بيع الاسلحة، وزيادة العبء الروسي في ظل كتابة دستور سوري جديد يُعيد المعارك على الأرض ،ويفرض واقع جديد، ويبعد اي حل سياسي يُنقذ روسيا من الشرق الأوسط،وهذه هي أسباب كفيلة بأن تُحوّل انسحاب امريكا الى هجوم استراتيجي معاكس بواسطة الحلفاء في المنطقة، تضرب فيه الفوضى البديلة جميع اللاعبين على الأرض السورية،وهذا يثبت الكر والفر في السياسة الامريكية مع الإحتفاظ بتنقل القطعات العسكرية في الشرق الأوسط مما يوحي بعدم وجود نية لإنهاء الأزمة السورية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى