#الفساد… #مصنع #الجوع و #البطالة
المهندس : عبدالكريم أبو زنيمه
كثيرة هي المبادرات التي أطلقت للإصلاح ومحاربة الفساد واكبتها حملات دعائية وإعلامية وصرفت عليها أموال طائلة خُيّل للمواطن أن السجون ستغص باللصوص والمفسدين ! وأن التنمية ورفاهية المواطن آتية لا ريب فيها ، لكن أي منها لم يتحقق ولن يتحقق ما دامت البلاد تُحكم وتدار بذات الذهنية وذات الأدوات ، فالحقائق والواقع الذي نعيشه أقوى من كل الأكاذيب والتسويف ، كل الحكومات كانت تعطي الانطباع بأنها تحارب الفساد ونهب المال العام ومقدرات الوطن وتعمل على تحقيق التنمية لنكتشف أن الكل غارق في الفساد بما فيها جهات محاربة الفساد نفسها أو مغلوب على أمرها.
الحقيقة الجليّة أن كل الحكومات هي حكومات وظيفية ذات أدوار وبرامج محددة سلفاً يطول عمرها أو يقصر بقدر إنجازاتها لما هو مطلوب منها تنفيذه ، ولذرّ الرماد في عيون الشعب فان بعضها لجأ ويلجأ لإثارة قضية فساد ما أو ملاحقة فاسد هنا أوتاجر مخدرات هناك أو تصفية حسابات والتضحية ببعض رموز الفساد لدواعِ معينة أو في لحظات خوائها من أية إنجازات سياسية أو اقتصادية لتحسين صورتها شعبياً .
للأسف فإن هذا العناوين الكبيرة في محاربة الفساد والمكلفين والقائمين على تنفيذها قد ساهموا بتعويمه في كافة مناحي إدارة الدولة وتضخيم مؤسسة الفساد وزيادة عدد أعضائها من موظفين من أصغر السلم الوظيفي إلى أعلاه ومن نواب وأعيان وشيوخ مصطنعين ومخاتير ومخبرين ومصفقين متبرعين ، فالولاء السياسي والتملق والتزلف والتسحيج أهم وأكبر من الوطنية والكفاءة والخبرة ، اليوم الحكومة التنفيذية متغولة على كل السلطات وهناك جهة خفية تحرك الحكومات بالتحكم الالكتروني عن بعد ، أما المجالس التشريعية وتأكيداً لما وصفها أحد روؤسائها فهي ديكورية وللزينة وباباً للتسول الدولي ، أما السلطة القضائية فلا تحمل من استقلاليتها الآ الوصف الاستقلالي فقط .
الفساد ليس نهباً للمال العام والسطو على املاك ومقدرات الدولة – انه مختبر ومصانع لانتاج الفقر والجوع والبطالة وكافة الأوبئة الاجتماعية التي يعايشها الشعب الأردني اليوم ، فلا غرابة أن يحتل الأردن المراكز المتقدمة في التصنيفات الدولية من حيث أعداد الجرائم والطلاق والانتحار وتفشي المخدرات وغيرها والقادم أخطر بكثير .
محاربة الفساد ليست مبادارت وقوانين وتشريعات وأغاني وأهازيج – انها إرادة سياسية صادقة وقوية تكرس دولة وسيادة القانون وقضاء وصحافة مستقلة وبرلمان شعبي لا برلمان دمى حكومي وتفعيل لدور أجهزة الرقابة والمحاسبة ، محاربة الفساد يجب أن لا تكون عنواناً لمرحلة بل نهج سياسي وإداري دائم ومستمر وهذا يتطلب الانقلاب على النهج السائد الذي أوصل البلاد العباد إلى الدرك الأسفل من ضنك العيش والمجاعة والبطالة .
ستبقى محاربة الفساد عنواناً وموشحاً غنائياً ما لم تشكّل حكومة وطنية ذات ولاية عامة من خارج مؤسسة الفساد تتبنى مشروعاً وطنياً إصلاحياً وتقضي بذات الوقت على بؤر الفساد ورموزه عمودياً وأفقياً الناهبة للمال العام وفي مقدمتها المؤسسات المستقلة والسفارات والإعفاءات والتعينات والتنفعيات وشراء الذمم وإخضاع كافة بنود الموازنة العامة للمراقبة والمحاسبة وتحديد سلم رواتب موحد لكافة موظفي الدولة والعمل على استرداد كافة الأموال الاردنية المنهوبة المهرّبة للخارج ومحاسبة كل اللصوص والمتواطئين معهم .