الفساد السياسي يتقدم على الفساد الإداري

#الفساد_السياسي يتقدم على #الفساد_الإداري

الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة

يشكل #الفساد بشتى أنواعه آفة تفتك في مقدرات #الوطن، وتهدر ثرواته ، وتستنفد إمكاناته خصوصا في ظل أوضاع اقتصادية مأزومة ، حيث أن #المديونية تجاوزت ما نسبته 115% من الناتج المحلي الإجمالي ، وفي ظل #عجز_مالي يصل إلى ما يزيد عن المليار ونصف دينار في الموازنة العامة. لم يعد بمقدور الدولة الأردنية الاستمرار في نفس النهج اللين تجاه الفساد و #الفاسدين حيث أصبح ذلك ترفا وتواطئا يمكن أن يهدد كينونة المؤسسات الأردنية ، ويعصف بمنظومة القيم الأخلاقية والحقوقية للمجتمع ،ناهيك عن تزعزع ثقة المواطنين بمؤسساتهم وشعارات النزاهة والمساواة والعدالة التي ترفعها معظم هذه المؤسسات.

قبل بضعة شهور احتفل الاردن في اليوم الدولي لمكافحة الفساد تحت شعار النزاهة مسؤولية جماعية وذلك برعاية من كل من هيئة النزاهة ومكافحة الفساد ووكالة المساعدات الأمريكية ، وقد تم تبني الاستراتيجية الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد والتي تمتد حت عام 2025.

مقالات ذات صلة

وفي الوقت الذي يركز بعض المهتمين بشؤون مكافحة الفساد على أن الفساد يبدأ إداريا وإذا لم يتم معالجته يصبح فسادا سياسيا فإننا نرى بأن النظرية الأكثر إقناعا ومنطقية هي أن الفساد يبدأ سياسيا وينتهي إداريا ومجتمعيا . بمعنى آخر فإن الفساد أصله سياسي وليس إداري وأن الفساد يبدأ من الأعلى وليس من القاعدة .فساد السياسيين سواء كانوا رؤساء حكومات أو وزراء أو نواب أو أعيان أو نخب حزبية أو غيرها يمهد الطريق للحلقات والشرائح الإدارية والموظفين في فئاتهم المختلفة لأن تتبع خطى السياسيين وتقلدهم .فإذا كان رئيس الوزراء على سبيل المثال فاسدا فلا غرابة أن يكون الوزير فاسدا ، وإذا كان الوزير فاسدا فهناك احتمال كبير لأن يكون الأمين العام فاسدا، وكذلك ينحدر ويتغلغل الفساد حتى يصل أدنى الحلقات الإدارية في المؤسسات المختلفة ، وهذا بدورة يعمل على تجذير السلوكيات الفاسدة في المجتمع بحيث يصبح السلوك المنحرف والفاسد سلوكا مقبولا بعد فترة زمنية يألف فيها الناس هذا الفساد ويصبح بحد ذاته قيمة منحرفة لكنها مقبولة في المجتمع تماما مثلما أصبحت الرشوة قضية عادية في بعض المجتمعات المجاورة.

إن ما تقوم به هيئة النزاهة ومكافحة الفساد من مراجعة للتشريعات ،وإعادة هيكلة وتنظيم الهيئة ، واعتماد مصادر للمعلومات عن شبهات الفساد من داخل المؤسسات الحكومية والعامة ، وحماية هذه المصادر من تعسف قيادات هذه المؤسسات التي تأتي على شكل إجراءات انتقامية وكيدية ونقل من الوظيفة ولجان تحقيق مفبركة ، كل ذلك يسجل للهيئة والعاملون فيها. ومع ذلك. فإننا نعتقد بأن الأردنيين محقين إلى حد كبير في شكوكهم في جدية جهود الحكومة في مكافحة الفساد حيث أن المواطنين يحكمون على نتائج الأمور وليس على تسلسل الإجراءات والتصريحات الرسمية بمكافحة الفساد والفاسدين. وهنا لا بد أن أبين بأن قضية الفساد الكبير(Grand Corruption) الذي تعرضت له شركة الفوسفات الأردنية قبل بضع سنوات قد تم التعامل معها واتخذت كافة الإجراءات بحق المتهم ، وتم إدانته ، وصدر حكم قضائي عليه ومع ذلك لم يتم استرجاع أي من الأموال المنهوبة ولم يتم توقيفه، لا بل فإنه ما زال حرا طليقا يتنقل بين لندن وعمان وسائر العواصم العربية والدولية، ولا يتم إنفاذ الأحكام القضائية الصادرة بحقه. هذه القضية كانت من الأهمية بمكان لكافة الأردنيين ليروا فيما إذا كانت قوانين النزاهة والفساد تطبق على كافة الأردنيين الذين ينص الدستور على أنهم متساوون أمام القانون. نعم إنها قضية كانت تمثل اختبار لجدية الحكومات المتعاقبة في مكافحة الفساد وللأسف لم تنجح مؤسسات الدولة الأردنية في هذا الاختبار، وعليه فلا غرابة أن ينظر الأردنيين إلى تصريحات الحكومة بمكافحة الفساد بعين الريبة والشك مما ينعكس بالتالي على شكل إسقاطات سلبية على جهود هيئة النزاهة ومكافحة الفساد . مهمة هيئة النزاهة ومكافحة الفساد مهمة ليست سهلة ولعل أبرز معوقات جهودها هي تلك المتعلقة بقضايا الفساد السياسي التي لا تحول إليها أصلا ، وهذه القضايا هي الأكثر إيذاء لمؤسسات الدولة الأردنية ليس فقط من الناحية المالية ولكن من حيث ثقة المواطنين بمؤسساتهم ومن ضمنها هيئة مكافحة الفساد نفسها….

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى