ثورة الجياع وأثرها على الأمن الوطني . . !
#أثبت التاريخ بأن #الجياع يشكلون تهديدا للمجتمع مهما كانت طبيعته، إذ تحركه #بطون_جائعة و #جيوب_خاوية، فيُقدم الجائعون على أعمال تخل بالأمن و #الاستقرار في البلاد، خاصة وأنهم لا يملكون شيئا يخافون على فقدانه. وتزداد هذه الحالة سوءا إذا عرفوا أن جوعهم ناتج عن #سرقة #الفاسدين لأموالهم كدافعي ضرائب، أو نتيجة لسوء إدارة الدولة وتوريطهم بديون كبيرة لا ذنب لهم بها.
و #ثورات_الجياع أطاحت بعروش وجمهوريات كبرى في العصور الماضية، منها ثورة الحرافيش في العهد المملوكي في مصر، مرورا بالثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، وصولا إلى العصر الحديث، عندما اندلعت ثورات الربيع العربي، وأطاحت بزين العابدين بن علي في تونس، الذي لم تنفعه عبارته المشهورة بعد فوات الآوان : ( الآن فهمتكم ).
وكذلك حسني مبارك في مصر، ومعمر القذافي في ليبيا، وعلي عبد الله صالح في اليمن، وأخيرا عمر البشير في السودان. علما بأن من جاء بعدهم لم يكونوا أحسن حالا منهم في إنصاف شعوبهم.
لقد حظي الجوع باهتمام كبير في عصر الإسلام، فجاء ذكره في القرآن الكريم بقوله تعالى : ( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ). وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد قال : ” عجبتُ ممن لا يجد قوت يومه، كيف لا يخرج للناس شاهرا سيفه “.
ولكن في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز فقد كان الحال مختلفا، حيث كان الناس في بحبوحة من العيش، إذ قال لعماله : ” أنثروا القمح على رؤوس الجبال، حتى لا يُقال جاع الطير في بلاد المسلمين “.
وأما جواهر لال نهرو، فقد وصف حاجة الشعب الهندي المعيشية في كتابه ” لمحات من تاريخ العالم ” قائلا: ” إنّ كثيرا من ساستنا الضليعين بأحكام القانون، يتشدّقون بالقوانين والدساتير، ولكنهم يُسقطون من حسابهم هؤلاء البشر، الذين وُضعت القوانين والدساتير لخدمتهم. إنّ السياسة الحقيقية لسكان الملايين من أكواخنا الطينية والأحياء الفقيرة، هي المأكل والملبس والمأوى “.
وفي فرنسا واجه الملك لويس السادس عشر عهده، باضطرابات ناتجة عن الجوع، استمرت أحد عشر عاما، اندلعت على أثرها مقاومة من جانب الفلاحين. وعندما قامت المظاهرات في ديجون طلبا للطعام، خاطب الملك المتغطرس شعبه المتضور جوعا قائلا : ” لقد نبت الحشيش، فاغشوا الحقول وارعوا ما شاء لكم ذلك “. وهذا ما حوّل جموعا عديدة من الشعب إلى متسولين، حتى أذيع رسميا في عام 1777 أن عدد المتسولين في فرنسا بلغ مليونا ومئة ألف شخص . . .
لم يلتفت الملك والملكة لسوء الحالة التي يعاني منها الشعب، فواصل الملك ابتزاز الأموال، وفرض #الضرائب المجحفة لتغطية نفقاته وأوجه بذخه، وإغداق المال على المقربين، وتزويد الملكة بما يغطي أوجه بذخها، وتكاليف الغالي من الملابس والمجوهرات. كما استشرى بيع لقب (الوزير) إذ بلغت تسعيرة هذا اللقب 120 ألف جنيه، ووصل عدد الوزراء الوهميين حاملي هذا اللقب مقابل الثمن إلى 900 وزيرا.
وعليه فقد عانت موازنة الدولة من العجز وتراكم #الديون عليها، واستحقت الملكة ماري أنطوانيت لقب ( السيّدة المُتلفة ). ولما سُدت السبل في وجه الملك، تفتق ذهنه عن فكرة دعوة المجلس العام، الذي يضم ممثلي طبقات الشعب الثلاث وهي: النبلاء ورجال الدين والعوام لفرض ضرائب جديدة. ولكن طبقة العوام، رفضت الطلب لعدم شرعيته . . .
وعندما أصرّ الملك على طلبه، اجتمع العوام في ملعب قريب للتنس، وأقسموا بعدم مغادرة المكان إلا بعد وضع الدستور. وعندما حاول الملك إخراجهم من المكان بالقوة، عصي الجنود الأمر ورفضوا إطلاق النار على إخوانهم من أفراد الشعب، فأسقط في يد الملك.
غير أن حُمْقه حمله على طلب النجدة الأجنبية لمحاربة الشعب، فلم يغفر الشعب له ذلك، وقام في باريس قومته التاريخية بتاريخ 14 يوليو / تموز 1789، حيث توجه إلى سجن الباستيل – قلعة الظلم والاستبداد – واحتله ثم أطلق سراح المعتقلين فيه، وأصبح هذا اليوم عيدا وطنيا لفرنسا تحتفل به كل عام.
كان سقوط الباستيل حدثا تاريخيا عظيما في تاريخ العالم، لأنه أشعل الثورات الشعبية في جميع أنحاء فرنسا، وقضى على النظام القديم، وقوض الإقطاع والملكية وعهد الامتيازات، وهزّ جميع ملوك وأباطرة أوروبا . . . وكان بلاط الملك في هذه الأثناء في فرساي بعيدا عن أعين الشعب الباريسي، الذي كان يلتقط أنباء القصر والولائم والبذخ، فيزداد تضوّره وتزداد نقمته.
ولهذا زحف #الشعب إلى قصر فرساي، وحمل الملك لويس السادس عشر إلى باريس، في أغرب موكب من نوعه، ليواجه مصيره تحت المقصلة، وإسقاط النظام الملكي الذي دام لسنوات طويلة، فعمّ الفرح أرجاء فرنسا بزوال حكم أسرة البوربون . . !
وإذا ما نظرنا إلى ما يجري حاليا في الأردن، سنلاحظ رفع أسعار المحروقات المضطرد رغم انخفاضها في العالم، ورغم الأسعار التفضيلية من بعض الدول الشقيقة، إضافة لارتفاع أسعار مختلف الحاجيات، مما زاد في حالة العوز لمعظم المواطنين، وعدم قدرتهم على مواجهة أبسط متطلبات الحياة.
كما أن تردي أحوال مختلف القطاعات مثل : التعليم، الزراعة، الصناعة، التجارة، السياحة، النقل، وهجرة المستثمرين، يقابلها عدم اهتمام المسؤولين بكل ما يحدث اعتمادا على سياسة النعامة، التي تبعث على القلق.
فالشعور العام لدى المواطنين، يُظهر بأن الحكومة وجميع المسؤولين في سدة الحكم، يتحدثون بلغة بعيدة عن معاناة الناس، ويدّعون بأن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح، وكأنهم يعيشون في كوكب آخر بعيد عن الواقع.
وهذا بحد ذاته يثير الخوف من انفلات الأمور تحت ضغط الحاجة. وإذا لم تُتخذ الإجراءات المناسبة لإخماد النار من تحت الرماد، فقد ينتج عنها الإخلال بالنظام وتقويض الأمن الوطني في البلاد لا سمح الله.
التاريخ : 2 / 7 / 2022