الفرصة الضائعة في استعادة مرتفعات الجولان . . !

الفرصة الضائعة في استعادة #مرتفعات_الجولان . . !
#موسى_العدوان

تقول مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة في مذكراتها، عما جاء في المفاوضات السورية الإسرائيلية، التي جرت برعاية الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون ما يلي :

في شهر مايو / أيار 1999، انتخب الإسرائيليون حزب العمل بقيادة أيهود باراك متفوقا على حزب الليكود بقيادة نتنياهو في حزب الليكود. فتولى أيهود باراك الحكم تحدوه طموحاته، في إكمال المفاوضات السلمية مع السوريين واللبنانيين والفلسطينيين في خريف عام 2000.

وهذا سيسمح له بالتركيز على احتياجات إسرائيل الاقتصادية والاجتماعية الشاملة. وفي سوريا كان الرئيس الراحل حافظ الأسد قد وعد باستعادة مرتفعات الجولان، التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967. ولكن الأسد العليل لم يكن لديه إمكانية استعادتها خلال وقت قصير.

مقالات ذات صلة

وفي واشنطن كانت سياسة فريقنا تؤمن بأن هذه الأشهر من نهاية حكم كلنتون، تتضاءل فيها فرصة بناء الحواجز لمنع وقوع العنف في الشرق الأوسط، فكنا جميعا في سباق مع الوقت. أما في إسرائيل، فقد كان باراك مقتنعا بأن السلام ممكن بسبب قوة إسرائيل. فالعرب يسعون للمفاوضات ليس لأنهم توقفوا عن كره إسرائيل، بل لأنهم يرغبون باستعادة أراضيهم المفقودة.

كانت رغبة باراك أن يذهب الرئيس كلنتون إلى دمشق، ويحث الأسد على استئناف المفاوضات معهم. ولكن الرئيس انتدبني للقيام بالمهمة نيابة عنه. لقد ذهبت للاجتماع بالأسد في دمشق، وقد استقبلني في قاعة فخمة بقصره، وقبل أن يدعوني للجلوس، أزاح الستارة عن إحدى النوافذ ليكشف عن المنظر الرائع لإحدى أقدم المدن في العالم : دمشق العاصمة السورية.

وقد افتتح الأسد حديثه بتقديم الشكر للرئيس كلنتون ولي أيضا، ثم تطرق لمحادثاته السابقة مذكّرا بأن اسحق رابين تعهد في عام 1995، بإعادة كامل مرتفعات الجولان إلى سوريا إذا ضمن أمن ومياه إسرائيل، وأنه ( أي الأسد ) لن يقبل بشيء أقل من ذلك.

وكم كان الأمر مفاجئا لباراك، عندما نجحت بإقناع الأسد في استئناف المفاوضات دون شروط مسبقة. وبناء عليه استؤنفت المحادثات بين باراك وفاروق الشرع في واشنطن، واتفق على متابعتها في شهر يناير / كانون ثاني عام 2001.

عُقدت المحادثات في الوقت المحدد في قرية شبردزتاون غربي فرجينيا. كان السؤال المركزي للمفاوضات: أين كانت الحدود في الجولان قبل حرب حزيران 1967 ؟ وكان الأسد يكرر دائما في أحاديثه، أن الأراضي السورية تمتد إلى الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا وكذلك إلى نهر الأردن، وأنه كان في شبابه يسبح في البحيرة. وإذا تنازل للإسرائيليين عن هذه الأرض شرقي البحيرة، سيكون قد قدمها هدية للإسرائيليين، وهي ليست حقا لهم.

أما باراك فكان يرى ضرورة الاحتفاظ بمنطقة كافية، تضمن سيطرته على ضفتي المياه، لأن إسرائيل تعتمد على ما نسبته 40 % من مياه طبريا العذبة. كانت مساحة الأرض التي يدور النقاش حولها صغيرة، ولكن كلا الطرفان متمسكان بمواقفهما.

كان اقتراح باراك يتضمن إعادة 99 % من مرتفعات الجولان إلى سوريا، ما عدا شريط بعرض 500 متر على طول البحيرة، و80 متر شرقي نهر الأردن، إضافة كما لتعويض السوريين منطقة من الأرض لم تكن في أيديهم سابقا. والتزم باراك بتقديم هذه المقترحات على الخريطة عند اجتماع الطرفين مع الرئيس كلنتون، معتبرا أن هذه الفرصة لاستعادة الجولان، لا يمكن لعاقل أن يرفضها.

في 26 مارس / آذار 2001 اجتمع الرئيس كلنتون وأنا ودينس روس، مع حافظ الأسد وفاروق الشرع في قاعة الفندق الدولي جنيف. وفي مستهل الاجتماع شكر الرئيس كلنتون الأسد على حضوره الاجتماع، ثم تحدث بكلام مختصر قائلا : إن أبناءنا سيشكروننا على هذه الفرصة التاريخية الماثلة أمامنا. وسأقدم لكم الآن عرضا رسميا لما سيكون الإسرائيليون مستعدين لتقديمه.

فقال الأسد: موافق . . وأنا لن أرد عليك حتى تنهي حديثك، ولكن ماذا عن الأراضي ؟ فقال كلنتون : الإسرائيليون مستعدون لانسحاب كامل إلى حدود شاملة متفق عليها. فقال الأسد : ماذا تعني بحدود شاملة متفق عليها ؟
وعندما بدأ كلنتون بالتوضيح قام دينس روس بفتح خريطة تبين مقترحات باراك، وتظهر خطا يمر إلى الجانب الشرقي من نهر الأردن وبحيرة طبريا، يظهر الشريط المطلوب بصورة واضحة.

فقال الأسد ودون أن يكلف نفسه بدراسة الخريطة : ” إذن هو لا يريد السلام . . وهنا انتهينا “. وخلال الساعتين اللاحقتين حاول كلنتون ودينس روس وأنا أن ننقذ الموقف، لكن هذه العقدة برزت كصخرة كأداء يصعب تجاوزها.

الإسرائيليون لا يتنازلون عن حاجتهم للأرض حول المياه، والأسد لا يوافق على السيادة الإسرائيلية، على إنش واحد مما يعتبره أرضا سورية. ثم حاول الرئيس كلنتون عدة مرات عرض النقاط التي تقدم بها باراك كقاعدة لاتفاق السلام، ولكن السوريون رفضوها.

وفي الختام قامت مادلين بتذكير الأسد، بأن كلنتون حضر لهذا الاجتماع، فقط بسبب التزامه بتحقيق السلام، ومن غير المحتمل أن تحظى سوريا بعرض أفضل من هذا. وقد الحّت عليه أن لا يضيع فرصة استعادة 99 % من مرتفعات الجولان، بسبب اختلاف على شريط صغير من الأرض.

وهنا تدخل الشرع قائلا : ” القضية ليست في كيلومترات من الأرض، ولكنها قضية كرامة وشرف. الإسرائيليون لن يخسروا شيئا إذا أعادوا لنا أرضنا، ولا أحد يمكن أن يفعل أكثر مما فعله الرئيس الأسد، لكي تصبح إسرائيل مقبولة في المنطقة، بمجرد التوصل إلى اتفاق “. وعندما كان الوفد الإسرائيلي يهم بالمغادرة، طلب السوريون من الرئيس كلنتون أن لا يضع اللوم عليهم في فشل المفاوضات. فكان جواب كلنتون فقط : ” سنترك الحكم على ذلك للعالم “. انتهى .

  • * *
    التعليق :
  1. لا أجد ضرورة لشرح كيف تم احتلال مرتفعات الجولان، في حرب حزيران عام 1967، فتلك قصة معروفة للكثيرين.
  2. كان الرئيس حافظ الأسد يقول أننا لسنا في عجلة من أمرنا لاسترداد الجولان، ثم رفع شعار الممانعة والمقاومة، التي كانت نتائجها فشلا وخذلانا كبيرين.
  3. كان عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود باراك مغريا في استرداد مرتفعات الجولان، مقابل التنازل عن عدد من الكيلومترات حول طبريا، ولكن الرئيس حافظ الأسد أضاع الفرصة الثمينة، التي كانت ستعيد له 99 % من الأراضي السورية المحتلة.
  4. السلطة الفلسطينية أضاعت فرصة ثمينة في مفاوضات واي رفر عام 2000 وفي عهد الرئيس كلنتون، عندما وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود باراك على إعادة 94 – 96 % من أراضي الضفة الغربية إلى السلطة الفلسطينية ولكن رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات رفضها.
  5. لا أجد وصفا يليق بزعماء الأمة العربية أفضل مما عبر عنه الشهيد وصفي التل في قوله : ” عندما يتعلق الأمر بالوطن، فلا فرق بين الخيانة والخطأ لأن النتيجة واحدة “. فها هي الأمة تدفع الثمن غاليا هذه الأيام، نتيجة لما فعله الزعماء السابقون. فهل يسمح الدين الإسلامي بإخراجهم من قبورهم، وتعليقهم على أعواد المشانق، كما فعل الإنجليز مع رئيس الجمهورية المعلنة، أوليفر كرومويل؟

التاريخ : 23 / 10 / 2025

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى