#الفاقد #التعليمي ودور #وزارة #التربية والتعليم وعرض تجارب عالميّة للتطبيق وتبني #خطة #علاج
الدكتور منصور حسين المطارنه
فقدان التعلّم أو الفاقد التعليمي (Learning Loss) يعرّف وبلغة بسيطة بأنّه ما تمّ فقده من معرفة. ويعرّف أيضا بالفرق ما بين ما يجب على الطلبة تعلمه وبين ما تمّ تعليمهم فعليّا. ويعرّف أيضا عند بعض التربويين بأنّه عدم تحقّق #أهداف ومخرجات #العملية #التعليمية بشكل عام. هذا المفهوم هو مشكلة ليست جديدة، حيث تعامل معها بدايةً اختصاصي التربية (Educators) في مسألة الفقد التعليمي في الفصل الصيفي، حيث بدأ المختصون بالتربية بتشخيص فقدان التعلّم أثناء العطلة الصيفيّة الطويلة نسبيا والتي تستمر من 3-4 أشهر، وللأسف أتت #جائحة #كورونا وزادت الطين بلة بحيث ظهرت المخاوف المتزايدة حول كيفية تأثير الاحتفاظ بالمعرفة لدى الطلبة.
ولقد أعلنت وزارة التربية والتعليم عن خطة لعلاج الفاقد التعليمي ولمدة شهر (تبدأ في 15/8)، حيث أشارت الوزارة بأن الشعبة الصفية ستستوعب 25 طالبا. ونوهت الوزارة على لسان الأمينة العام للوزارة بأنّه تمّ البدء بعملية تدريب المشرفين والمعلمين على تنفيذ المصفوفة بما يكفل نجاح الأهداف الموضوعة لغايات تعويض الفاقد التعليمي. وتمّ الإعلان على أن مصفوفة العلاج ستشمل المواد الأساسية وهي: العربي والعلوم والرياضيات واللغة الانجليزية، وأيضا بأنّ هذا البرنامج التعويضي سيكون ليس إلزاميا.
أولا، لا أدري كيف سيتم تعويض فاقد تعليمي كبير بمدة قصيرة جدا ولمدة شهر مقارنة مع الخطط المتبناة بالعالم. كيف سيتم التعامل مع الطلبة الذين لم يتلقّوا اي تعليم مدرسي خلال الجائحة، حيث يقدّر عددهم حسب تصريحات مسؤولي وزارة التربية والتعليم ما يقارب 100 ألف طالب. وذلك بسبب عدم امتلاكهم التجهيزات والأدوات التقنيّة اللازمة للتعلّم عن بعد. وهنالك تقدير من قبل المختصين على وجود على الأقل 200 ألف طالب تضررّوا بشكل كبير حيث كان دخولهم على المنصة التعليمية لعدة مرات ولأسباب متعدّدة. وتشير تقارير اليونيسف واليونسكو الى أنه تمّ فقد ثلثي العام الدراسي في جميع أنحاء العالم بسبب اغلاق المدارس بسبب جائحة كورونا. وأعلنت بأنّ خسارة التعلّم هائلة (Enormous)، والسؤال المطروح والملح الآن كيف نساعد الطلبة الذين فقدوا الجزء الكبير باللحاق بالركب؟
وقبل الخوض بالتفاصيل، استعرض لمحة موجزة عن بدايات مفهوم الفاقد التعليمي، والتي كانت من خلال البروفسور دان جورجينسن (وزارة التعليم بولاية كولورادو الامريكية)، وواحد من العديد من قادة التعليم الذي بدأوا بالشعور بالقلق بشأن فقدان التعلّم وتركيزه على التعرّف على مقدار الخسارة. وبعد جائحة كورونا أصبح الكل يسعى لمكافحة فقدان التعلّم الناجم عن تأثير الوباء بسبب الإغلاقات والحضر. وما زال تأثير هذا الوباء على تحصيل الطلبة قيد المعالجة من قبل المجتمع التعليمي العالمي ككل.
وبالأصل أكدّ علماء كثر بأنّه هنالك ما يسمى بالفجوة الرقميّة (Digital Divide) في التعليم الالكتروني. واظهروا مخاوف كبيرة بشأن كيفية تأثير الوباء على الطلبة وخصوصا من مجموعة الأقليات والطلبة ذوي الدخل المنخفض. لذا لابدّ لنا من تنفيذ استراتيجيات محدّدة لمكافحة فقدان التعلّم، في أمريكا مثلا تمّ وضع خطّة استباقية لمعالجة الفاقد التعليمي على المستوى الفيدرالي. مثلا مدير معهد العلوم التربوية مارك شنايدر وضع خطة عمل لعلاج هذا الفاقد من خلال: 1) فهم الأزمة 2) تسريع الاكتشاف وتشخيص الخلل.3) والاستجابة اللازمة بأدوات لمساعدة الطلبة للحاق بالركب، والتأكد من عدم ترك الطلاب الأكثر احتياجا. وبادرت جامعة براون مؤخرا بوضع مخطّطا لتوسيع نطاق التدريس عبر المدارس العامة الحكومية واقترحوا برنامجا تعليميا وطنيا دائما. وكان هنالك تقرير من قبل جمعية التقييم للولايات الشمالية الغربية بأمريكا، قدمت فيه بيانات عن فقدان التعلّم. حيث أظهرت النتائج بوجود فقدان ضئيل في القدرة على القراءة (بناءا على درجات الاختبار). أمّا بخصوص الرياضيات (الأكثر تضرّرا) فلقد كان هنالك انخفاض 10 درجات عن نتائج 2019.
وهنا لابدّ من التأكيد على بعض الجوانب المهمّة التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار ومنها:
- توفر البيانات المسبقة والموجودة والتي ستساعد في علاج المشكلة بتقليل الفاقد.
- التعرّف على المحتوى الأساسي لدى الطلبة في التعلّم.
- تدريب المعلمين/المدرسين على كيفية تغطية هذا المحتوى.
- إنشاء وتبني وسائل ونظام اتصال مع العائلة وتوفر التعليم للمدرسين الذين يتناوبون على هذه العملية.
- جمع البيانات اللازمة عن التعلّم (سنوي/فصل) – جمع نتائج الاختبارات.
- التدريس يجب ان يراعي فيه اختيار المدرّس الكفوء، وقت مناسب- وبيئة مكان التدريس.
- التأكيد على وجود جهة رقابية على التنفيذ.
حسب النسب الواردة بتقارير البنك الدولي هنالك ما نسبته 53% يعانوا مما يسمّى بفقر التعلّم (Learning Poverty) في الدول المتوسطة ومنخفضة الدخل، ويصل هذا الفقر الى 80% في الدول الفقيرة. وفقر التعلّم حسب تعريف البنك الدولي هو عدم القدرة على القراءة للطلبة حتى سن العاشرة. ومن هنا نطالب وزارة التربية والتعليم ان تجري اختبار قدرات وبأقرب وقت للتحقق من مهارة القراءة لدى طلبة المدارس في الصفوف الثلاثة الأولى وممن لم يتجاوز عمره 10 سنوات. قبل عدة سنوات صرّح معالي الدكتور محمد ذنيبات (وزير التربية والتعليم الأسبق) بأنه يوجد ما لا يقل عن 100 الف طالب لا يجيدون القراءة ولا يستطيعون قراءة الحروف العربية أو الإنجليزية في الصفوف الثلاثة الأولى وهم يشكلون نحو 22 بالمائة من إجمالي عدد الطلاب. فأهمية اختبار مهارة القراءة تكمن في التعرّف على نسبة فقد التعلّم لدى أبناء الوطن ومعرفة تأثير الجائحة على الطلبة بهذا السن والذي يعتبر نقطة تأسيس جوهرية في العملية التعليمية. ثمّ وضع خطة علاج خاصّة تعكس نتائج هذا التقييم لمستوى الطلبة بمهارة القراءة الأساسية. وأنا أجزم بأنّ هذه الشريحة هي الأكثر تضررّا بين الطلبة كافة.
لقد كان هنالك تنبّه من غالبيّة دول العالم لعمل تقييم لتقدير الفارق عند: 1) فتح المدارس وعودتها.2) انفراج الوضع الوبائي، وحتى ولو كانت عودة استثنائية. وقبل عرض بعض تجارب دول العالم وكيفية التعامل مع الفاقد التعليمي وخططها المختلفة لمعالجة الفاقد، ألخص هنا بعض هذه الاستراتيجيات والخطط التي تمّ إتباع أحدها او بعض منها، والتي تعكس وضع الفاقد التعليمي الذي حلّ وأصاب الطلبة، وهي:
تعديل العام الدراسي – لتضمين خطة علاج الفاقد.
تقليص عطلة الصيف ودوام الطلبة المباشر.
24% من المدارس عملت على زيادة وقت الحصص عند فتح المدارس.
خطة علاج وتوليفة من داخل المدرسة واعتماد التعلّم عن بعد مع التعليم الوجاهي.
توفير دعم للمجموعات المتضرّرة، عمل مجموعات تعليمية ودروس خصوصية للطلبة الأكثر حرمانا.
المسؤولية المجتمعية والتطوع من قبل جهات مختلفة وجامعات وطلبة الجامعات.
اعتماد برنامج التعليم المعجّل (المختصر) / استخدام برنامج التسريع المدرسي.
خطة علاج من خلال تكثيف المنهاج.
اختصار مناهج السنوات الدراسية الى وقت أقصر.
تخفيف او إلغاء الرسوم الدراسيّة كعامل تفسي وتعزيز الدافعيّة.
تمديد العام الدراسي.
تعيين أساتذة جدد لتغطية الحاجة الملحة.
عمل مجموعات تعليمية.
استخدام الدروس الخصوصية (Tutoring).
التوجهات العالمية كانت مختلفة بين تعويض الفاقد او اسقاط (إعادة) العام الدراسي. ومن المفيد أن نستعرض بعض تجارب دول العالم في كيفية التعامل مع الفاقد التعليمي وخططها المختلفة لمعالجة الفاقد، وهي:
كينيا: الحكومة قرّرت إعادة العام الدراسي.
كندا (أهمها ولاية اونتاريو) والهند: عملت على تحليل وتقليص المحتوى الدراسي والتركيز على بعض المواضيع المهمة وتعلمها بشكل فعال.
بنغلاديش: أعلنت عن برنامج العلاج والتعافي (Recovery) تتضمّن منهجا موجزا للعامين المقبلين مع التركيز على الموضوعات الرئيسة مثل الرياضيات والعلوم ولغتهم البنجالية في المدارس الثانوية.
المملكة المتحدة: خصصت الدولة 440 مليون دولار لبرنامج التدريس الوطني الذي سيوفر تعويض مكثّف للطلبة الأكثر تهميشا.
هنالك عدة دول عملت على تقليص محتوى المادة الى 30% خلال (2020/2021).
الفلبين: استمر التعليم بالفصل الصيفي ببرنامج لتعويض الفاقد في 2020، تعويض الوقت المفقود بالفصل الثاني السابق للصيفي.
غانا: عملت برنامج المدرسة من أجل الحياة (School for Life Program)، دروس خصوصية لزيادة تقدّم الطلبة في المدارس.
إيطاليا: نفذت الحكومة برنامج للمدارس المتوسطة من خلال تطوع طلاب الجامعات لتعليم الطلبة المحرومين من خلال تعلم واحد لواحد (One-to-One)، ولقد كان تقييم التجربة ناجحا.
أثيوبيا: تختصر السنوات الثلاثة الأولى من مناهج المدارس الابتدائية في تسعة الى عشرة أشهر، برنامج التسريع المدرسي (Speed Schooling).
نيبال: تبنت برنامج تعليمي سريع مدته تسعة أشهر للفتيات المهمشات للمساعدة بتعويض الفاقد.
عدة دول وولايات مختلفة تبنّت برنامج التعليم المعجّل (المختصر)، والذي يختصر عدة سنوات من الدراسة في بضعة أشهر.
هنالك عدة دول اتبعت مسار آخر من خلال وضع برامج للأطفال الذين توقف تعليمهم أو لم يبدأ بسبب الصراع أو الفقر أو التهميش (Marginalization).
وبالطبع غالبية دول العالم اهتمت كثيرا وبالتزامن مع هذه البرامج بتحسين الأداء الأكاديمي وتحسين المهارات الاجتماعية والعاطفية والتغيّر النفسي للطلبة، خاصّة بين الطلبة المهاجرة في بعض الدول. وهنا نتساءل لماذا لم تقوم الوزارة باستغلال عطلة الصيف وتنظيم أندية مختلفة، ضمن قواعد السلامة العامة، لتنمية المهارات الاجتماعية والنفسية والبدنيّة وبناء الشخصيّة بعد عزلة طويلة لطلبتنا وعدم التواصل فيما بينهم.
أخيرا، أتمنّى على المعنيين بوزارة التربية والتعليم ان تضع استراتيجيات وخطط علاجيّة تراعي التمايز والاختلاف في الفاقد بين شرائح الطلبة، وتقسيم الطلبة يجب ان يتم من خلال اعتماد عدة أساليب للتقييم. لقد أوردت هنا جميع الاستراتيجيات والخطط التي اتبعتها دول العالم لمعالجة الفاقد، وأرغب بالتأكيد على عمل اختبار عاجل لمهارة القراءة للصفوف الأولى حتى نعرف نسبة ما يسمى بفقر التعلّم حسب تعريف البنك الدولي. وأتمنى أيضا على الكادر المعني بملف الفاقد التعليمي بالوزارة ان يقرأ ويطّلع على تقرير البنك الدولي وتقارير المنظمات العالمية مثل اليونيسيف واليونسكو حيث هنالك تفصيلات كثيرة وبرامج خطط لدول مختلفة واقتراحات أعدّت من قبلهم لمعالجة وتقليص الفاقد التعليمي.
الدكتور منصور حسين المطارنه
الجامعة الاردنية