الفاسدون يدفعون الأردنيين إلى الكفر بالوطن
الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة
يلعب المسئولون الذي يتم تعيينهم في المواقع القيادية دورا مهما وبارزا في تعزيز أو اضمحلال إيمان المواطنين بالوطن، وضرورة احترامه، والمنافحة عنه، والتضحية من أجل ثراه الطيب. بعض المسئولين في بلدنا ممن يتم تعيينهم بموجب إرادة ملكية تمكنهم من اتخاذ قرارات وممارسة سلطات على غيرهم من المواطنين والعاملين في الوزارات والدوائر الحكومية والجامعات والمعاهد ، هؤلاء المسئولين يحنثون باليمين ، ويخونون الثقة المنوطة بهم لممارسة سلطاتهم بحيادية ،وعدالة، وحصافة ،وعدل . يعرف الكثير من الأردنيين أمثلة متعددة من مسئولين استثمروا في سلطاتهم وسخروها لخدمة مصالحهم ، وأفرطوا في استغلال المؤسسات التي يترأسوها ، وسافروا لكافة أقطار الأرض تحت ذريعة خدمة المؤسسة أو أجل الانتقال بمؤسساتهم إلى صفة”العالمية” في الوقت الذي تتدبر الحكومة والجامعات والمؤسسات المستقلة أمورها بصعوبة بالغة لتدفع رواتب موظفيها آخر الشهر.
أحد المسئولين في الجامعات يدفع فاتورة كهرباء شهرية للسكن الوظيفي الذي يتمتع به بمبلغ يتراوح بين(500-700دينار) وقد طلب هذا المسئول من مدير الصيانة في الجامعة أن يتم ربط بيته الوظيفي بعمود الإنارة في الشارع المقابل لمنزله ، وعندما رفض ذلك المسئول لم يتم تمديد عمله في وظيفته مثل بقية زملاءه؟ مسؤول آخر في جامعة أخرى يقوم بشراء سيارة جديدة للجامعة والحجة أن سيارة رئيس الجامعة الفاخرة “تقطعه”بالطريق وكأنها سيارة” سيفيا “علما بأن هذه السيارة لا يتم صيانتها إلا في شركة مرسيدس وتدفع الجامعة عليها مبالغ معتبرة وهي بوضع ممتاز ولكن الرئيس يريد سيارة أخرى لخدمة بيته ، علما بأن التعليمات لا تعطيه الحق بالتمتع إلا بسيارة واحدة؟ رئيس جامعة أخرى يقوم باستلام سيارة فارهة من إحدى الشركات هدية للجامعة بسبب الإدعاء أن الجامعة تساهم في تطوير التعليم في الأردن ..واعجبي أليست مهمة الجامعة تطوير التعليم في الأردن ؟ولماذا هذه الجامعة بالذات؟
الأدهى والأمر أن رئيس جامعة حولت قضية شبهة فساد بحقه لقيامه بترتيب علامات ابنته في الجامعة والتأثير على أحد الأساتذة ، وتم تحويل المدرس لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد ثم إلى المحكمة ليقوم رئيس الجامعة بتوكيل محامي الجامعة للدفاع عن شخص متلاعب بعلامات الطلاب كيف يستوي هذا؟؟؟
كيف يمكن أن يضحي المواطنون من أجل الوطن وهم يرون ذات المسئولين يقومون بالتجبر بالموظفين ، والإساءة إليهم ، وقلب الحق إلى باطل والباطل إلى حق ، ويكيدون المكائد ،ويتآمرون على من تم توليتهم عليهم ، فتارة يهضمون الحقوق ، وتارة يشكلون لجان التحقيق الكيدية للشرفاء من العاملين ،وتارة يوجهون العقوبات الكيدية لمن ترتفع هاماتهم في السماء اعتزازا برسالة الوطن ومهنة التعليم ، وتارة يرهبون ويهددون من يضع كلمة(like) على مقالة في الفيس بوك في الوقت الذي لا يفعلون اللازم لإيجاد قطع أثرية لا تقدر بثمن مختفية أو مسروقة من جامعاتهم ؟ مسؤول كبير في إحدى الجامعات الذي يمارس سلطاته باسم الإرادة الملكية السامية يقوم بشراء ملابس رياضية وحذاء رياضي على نفقة الجامعة مع أن هذا المسؤول يتقاضى ما مجموعه سبعة آلاف دينار رواتب شهرية ومكافآت من مجالس إدارة يشغلها بحكم رئاسته لجامعته ناهيك عن مياومات سفره المصون؟ هذا المسؤول يقوم جهارا نهارا بتعيين عميد سبق ثبتت عليه واقعة الرشوة بمبلغ (1800)دينار من أحد الطلبة الخليجيين، وبمعرفة وموافقة رئيس مجلس أمناء الجامعة الذي كان رئيسا سابقا للجامعة وهو الذي وجه العقوبة لهذا العميد المرتشي؟ هذا الرئيس أصر على تعيين نائبا له ممن سبق وتم تحويله لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد على خلفية شبهات فساد لاحقته أثناء توليه إدارة إحدى دوائر الدولة المهمة؟
هنا لا بد أن نقول بأن هذه الممارسات تشكل إساءة للوطن والمواطن وهذا أيضا من شأنه أن يضعف ثقة الأردنيين بمؤسساتهم ومسئوليهم ، لا بل فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى ضعف انتمائهم لوطنهم.الوطن ليست قطعة أرض ولدنا عليها ،ولا قطعة قماش اصطلحنا على أنها رمزا الوطن،وليس الوطن عبارة عن وريقات جواز سفر نمر به عبر الحدود والمطارات، .الوطن معاملة، وكرامة، وحقوق، وعدالة، ومساواة، وحرية، واحترام… وطني هو الذي أشعر بأنني أعيش فيه سيدا كريما لا عبدا مستضعفا خاضعا لهيلمان الفاسدين الذين يبطشون بالشرفاء وينتهكون حقوقهم وتاريخهم وعطائهم متخذين من تفويض السلطة لهم ذراعا وسوطا للإساءة للآخرين.المسئولون الذين يتم تعيينهم بإرادة ملكية سامية ليسوا مصونين من النقد فهذا لا يتمتع به إلا الملك ،وليس لهم حماية ملكية من المساءلة …المسئولون الفاسدون يدفعون الناس إلى البحث عن مصالحهم الخاصة ، وترك الشأن العام ويجعلون من “الوطن” مصطلح نظري خالي من المضمون ولا يستخدم إلا في المناسبات الشعبية ، ونظم الشعر الحماسي ،والشدو بالأهازيج والغناء وتبرق وترعد وربع الكفاف الحمر والعقل ميالا…نعم لقد جعلوا من الوطن مصطلح ذهني لا معنى له سوى انه وسيلة لتعظيم الامتيازات والثروات والضحك على الشعب ليذودا عن وطن لم يعد وطنه الذي عرفه في الماضي ،وضحى من أجله الآباء والأجداد ..فاحذروا أن يكفر الناس بالوطن ..