الفارق بين الجهاد وشن الحرب

#الفارق بين #الجهاد و #شن_الحرب
د. #هاشم_غرايبه
الجهاد مصطلح إسلامي بامتياز، لا يوجد في أي تشريع آخر، ما يقابله في التشريعات الأخرى مصطلحات قتالية مختلفة كالحرب .. الكفاح ..النضال ..الخ.
لكنه في الإسلام يعني كل الأفعال التي تبذل لإجل أن تكون كلمة الله هي العليا، وليس لتحقيق المصالح ولا الأمجاد، وموجباته ثلاثة، جميعها دفاعية، أولها للدفاع عن حق الإنسان بالإيمان بالله واتباع منهجه، وثانيها لدحر المعتدين على ديار متبعيه، والثالث حماية الدعاة إليه إن منعوا من أداء مهمتهم في تبليغه لمن لم يصله.
إذا فهذه العناصر الثلاث هي فقط موجبات الجهاد، وبالطبع ففيها يكمن وجه الاختلاف عن موجبات شن الحروب في التشريعات البشرية، والتي هي أساسا تحقيق الغلبة على المنافس باستخدام القوة العسكرية في القتل والتدمير لإرغام الخصم على الاستسلام لشروط المنتصر.
لما كانت الحروب تعتبر أكثر الشرور إجراما وتعديا على حقوق الإنسان، وإضرار بالعمران والمدنيين الأبرياء، لذلك تلجأ الدولة التي تشن الحرب الى الادعاء بأنها دفاعية وليست عدوانا على الآخر، إلا أن التاريخ يثبت أن جميع الحروب البشرية دوافعها الأطماع بالآخر والتوسع على حساب أراضيه، والدول الحديثة ليست مختلفة، لكنها تلجأ الى التكييف الإنشائي بحسب مقتضى الحال، كالقول أنها دفاع عن النفس، أو للحفاظ على المصالح، أو لحماية الديمقراطية، أو حروب استباقية لمنع العدو من مهاجمتها.
بهذا التوضيح نتوصل الى أن الجهاد أمر مختلف عن شن الحروب، فهو أصلا ليس شرطا أن يكون قتاليا، بل على أوجه عديدة، واعظم أوجهه وأصعبها اتباعا هو الجهاد الأكبر، وهو الجهاد الفردي الذي لا يعفى منه أحد، ويبدأ بجهاد النفس لضبط انسياقها خلف الهوى الذي يحرفها عن منهج الله، بعدها ينتقل الى الجهاد المجتمعي بالسعي الى ضبط الآخرين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبوسائل مختلفة منها الوعظ والإرشاد المباشر، ومنها النشر بالكتب والمحاضرات وعلى وسائط التواصل الاجتماعي، ثم ينتقل الى أخطر أنواع الجهاد بقول كلمة الحق للحاكم الظالم.
الجهاد الأصغر هو الجهاد بالمال وبالنفس، ما كان بالمال فهو تكليف فردي للقادر، أما الجهاد بالنفس فهو تكليف جماعي، وهو الذي يكون بالقتال، لكنه بالانخراط عسكريا في الجماعة المجاهدة، وتحت قيادة ولي أمر الدولة الإسلامية.
وهذا الجهاد ظرفي، أي تقرره الدولة حين تحقق الظرف الموجب للقتال، وهو ينحصر بأحد حالين: الأول جهاد الدفع، ويصبح فريضة عين عند وقوع غزو معاد لأية بقعة من ديار الإسلام، وفي حالة المسالمة يصبح فرض كفاية، يجزئ البعض عن الكل في البقاء على الثغور وحماية السكان ممن تسول لهم نفوسهم مهاجمتهم.
والثاني جهاد الطلب، ويتحقق حين ممانعة دولة أو جماعة للدعاة والمبلغين من أداء واجبهم الذي كلفهم الله به، في تبليغ الدعوة لمن لم تصله من العالمين، أو حين تعرضهم للخطر.
مما سبق نلاحظ أن الجهاد بأنواعه يتطلب أن يكون نظام الحكم قائما بموجب منهج الله، لأن القرار بالحرب أو السلام موكل الى الحاكم، والذي يقدّر بعد استشارة العلماء والمستشارين مدى الحاجة إليه.
لذلك فلا بديل عن أن تكون الدولة إسلامية، ونظام الحكم فيها يحكم بموجب بما أنزله الله، وعليه فواجب الأمة الأول، وقبل أي مطلب آخر، هو العمل على أن تحكم ديار الإسلام بحكومة إسلامية وبحسب ما قرره الشرع.
وهذا يفسر فشل واندحار الدول الحاكمة حاليا لديار المسلمين، مما أذهب ريح الأمة، فبات المسلمون لقمة سائغة لأعدائهم الطامعين، يذلونهم ويستعبدونهم أينما وجدوا، على كثرة عددهم وغنى ديارهم بمواردها الطبيعية.
لذلك لا يمكن أن تقوم لهم قائمة، طالما أنهم دائبون على منع قيام دولة إسلامية، ويستبدلون المنهج الغربي العلماني الذي هو أدنى بمنهج الله الذي هو خير، فهذا المنهج خالف الشرع بنبذه فريضة الجهاد واعتباره إرهابا، زورا وبهتانا، رغم أنني أثبت بما أسلفت بداية أن الجهاد ليس إرهابا مطلقا، بل الإرهاب هو الحروب التي يشرعنها المنهج العلماني كما شاء.
وبناء على ما سبق يجب أن نعلم أن أول خطوة على طريق النهضة لن تنجز إلا باعتماد منهج الله في نظام الحكم.
ولن تقوم للأمة قائمة باعتماد غيره.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى