الغولة والضبع

الغولة والضبع
م. عبدالكريم أبو زنيمة

منذ أن تفتحت عيوننا على هذا الكون وهم يزرعون بعقولنا وقلوبنا الخوف والرعب بقصص وخرافات! كانت جداتنا وامهاتنا تسردها لنا على مدار ليالي الشتاء الباردة، فما أن يحل الشتاء ويداهمنا بسواد لياليه وتُشعل النيران في المواقد ويلتف الحضور حول الموقد طلبًا للدفء حتى يبدأ مسلسل الرعب والخوف الذي غالبًا ما يبدأ بسرد قصص الغولة، تلك المخلوقة البشعة ذات الشعر المنفوش والأسنان الطويلة وأظافرها الشبيهة بالخناجر والتي تغيّر شكلها ومظهرها لتظهر بمظهر امراةٍ جميلة تحمل معها الحلوى أو تغيّر شكلها لتصبح بشكل الخالة أو العمة لتخطف الأطفال وتأخذهم إلى مغارتها وهناك تأكلهم.
أما مسلسل الضبع فغالبًا ما يشترك بتقديمه الرجال، فما أن يعتدل أحدهم بجلسته ويتنحنح حتى ينصت الجميع لما سيقوله والخوف والرعب يخيم على الصغار: “بيوم ضفت على الشيخ أبو مشاري الله يرحمه..ولما جيت أروّح قبل المغرب بشوي قال لي وين رايح يا أبو سعيفان؟ ذبيحتك صارت عالنار! قلت له: يا شيخ انت شايف الدنيا تشتي وانا لازم ارجع ديرتي وأهلي ما عندهم حدا، قال لي: خالك رجل غانم وأنت مأصل بالطيب وما ضني تترك عشاك..عّين خير..تتعشى والله يسهل دربك، قلت له الطيب شرواك وأنت أهله.. تأخر العشا ومضى من الليل ثلثه..تعشيت وتقهويت وقلت له يا ابو مشاري الديرة طلبت أهلها وأرخص لي! قال لي يا ابو سعيفان انت شايف البلاد قفر والوحوش صيّادة! قلت له: لا تهكل هّم أخوك دواس ظلما، طلعت من عنده وركبت حصاني وحطيت الباروده بكتفي والفرد على جنبي ولما تعديت ديارهم وهي تقول خذ شتا! عليم الله تمد ايدك ما تشوفها والبلاد كلها سدر وهيش..وأنا أبوك يا سعيفان وأشد على الحصان وهو يركض يسابق الريح والدنيا كب من الرّب..ما مشيت مقرط عصا ولا الحصان ينفر ويغز حوافره بالارض! نكزته مره ومرتين بدون فايدة..تناولت الباروده وحطيت الطلقة عا بيت النار وصرت أطل وأتسمّع وأتهمس! بس ايش..ما تشوف ايدك قدامك! بعد شوية ولا صوت من بعيد يا دوب اسمعه.. صوت رجل ينادي يا اخوي استناني يا أخوي استناني..نكزت الحصان مرة ثانية ولك رب ولي رب يتحرك، نزلت عنه وربطته ومشيت صوب الصوت.. أمشي أمشي والصوت يقرب مني..كمنت بجنب سدره وصوت الرجل جاي صوبي..يا دوب لمحته قريب مني والضبع قدامه! ركضت عليه ومسكته وسحبت الفرد وبكعب الفرد ضربته ع راسه والدم يشر منه -وأنه يوم صحي ويقول لي وين أنا ومنو أنت؟ قلت له بعدين تسأل، ضليت أطل واترصد وان الضبع يحوم حوالينا ويرش علينا من بوله! توازنت زين لما حطيته تحت الهواه..وأنا أعطيه اياها بين عيونه، مسكت الرجل ورجعت على الحصان وردفته وراي وروحته على أهله.
منذ نعومة أظافرنا نعيش ويعيش الخوف ورعب الغولة والضبع بداخلنا، كبرنا لكن الماضي لا زال يعيش فينا، بحثت في عالم الضباع لكي أجد سر الخوف الذي كانوا يزرعوه بعقولنا! وجدت أخيراً أن مملكة الضباع تقودها أنثى الضبع ومؤنثها ضبعانة، وعالم الضباع أو مملكة الضباع غالباً ما تسرق وتعتاش على فرائس غيرها وهي نهمة وجشعة لا تشبع، ضبعانة انتهازية لا يهمها أفراد المجموعة حتى لو ماتوا جوعاً..المهم عندها أن تشبع هي وأبنائها وأقربائها من الدرجة الاولى، ومن أوصافها الغدر والحقد والطمع والجشع والخيانة ووصفها العرب بأنها مصاصة للدماء، وقد ضرب العرب بخستها وغدرها المثل: “كمجير أم عامر” وأم عامر هي كنية أُنثى الضبع، حيث خانت وغدرت بالرجل الذي أجارها من الفرسان الذين طاردوها وأرادوا قتلها وأواها الى بيته وأطعمها وأسقامها وما أن خلد الى النوم حتى وثبت عليه وقتلته.
بقي سؤال يحيرني ولم أجد له جواب في علم وعالم الاحياء! ألا يصحو الإنسان من انقياده وانصياعه للضبع أو لضبعانه إلا بسيلان الدم!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى