الغربة في معانيها الصعبة /  نداء أبو الرُّب

الغربة في معانيها الصعبة

 في كل عام تتكرر مشاهد ترتيب حقائب السفر، وتتشابه تفاصيل الحكاية في أدق تفاصيلها، لا معاناة في ترتيب الثياب والأشياء، ولكن الألم يكمن في وضع خيرات البلاد في زوايا الحقيبة، وكأنَّها تحمل في طياتها كل الذكريات وكل اللحظات، الزعتر برائحته الشهية الذي لا يمكن أن أجد مثل مذاقه الرهيب، والميرمية التي تعبق برائحة الأردن الحبيب، وعلبة البقلاوة التي تتربع في منتصف الأغراض بكل كبرياء ، من أحملها معي حتى يتذوقها ضيوفنا في الغربة، ولدى سؤالهم لي من أين لكِ بهذه البقلاوة المميزة؟ فأجيبهم بفرحة طفلٍ هي من بلادي التي بالخير والعراقة مطرزّة.
لستُ ممن يحملون أشياء كثيرة معهم عند سفرهم، ولا أبالغ في جلب المونة السنوية من الأردن، ولكنني أحرص على اقتناء بعضها، لتبقى الروح معلقّة في العودة بعدها، تفاصيل صغيرة لتربطني بأرض الوطن ما حييت، وتجعلني مشتاقة لها أطمع في إجازة أخرى، وأتوقُ للقاءٍ مع أهلي وأحبابي في جلساتٍ عائلية هي في الغربة لا تُشترى.
عند ترتيب حقائب السفر، سأجدُ في كل زاوية رائحة لأحدهم أو أثر، سأرى وجوهاً للغاليين على قلبي وصور، كأنَّ ملامحهم عالقة في طيّات الحقيبة وإصرارهم على البقاء بقربي واضحٌ للعيان قد ظهر، كلماتهم وأحاديثهم ونصائحهم الثمينة، محفوظة بين الاشياء مثل ترانيم جميلة، أسمعها في كل وقت وحين، ليطمئن النبض في قلبي وتهدأ روحي وتستكين، حقيبة السفر لا تحمل فقط الثياب، بل هي كنزٌ عامرٌ بأنفاس الخلاّن والأحباب، تحمل قبلات المحبة والأحضان، تعجُّ بكل ما يربطنا بهذه الأوطان، فيها دموع من تألموا لحظة وداعنا، فيها ابتسامات من ينتظرون رجوعنا، وفيها أدعية من يسعدهم وجودنا، حقيبة السفر، هي المكان الرسمي والمقّر، لكل الذكريات وكل الثواني الجميلة التي عشناها في ربوع الوطن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى