حزازير ما قبل رمضان (عن الحكومة والانتخابات) / طاهر العدوان

حزازير ما قبل رمضان (عن الحكومة والانتخابات)
بمراجعتي للعديد من الانظمة الديموقراطية ومتابعاتي للحياة السياسية في اوروبا الشرقية قبل الغربية وفي امريكا اللاتينية وكوريا الجنوبية وحتى تايوان وقبرص اليونانية لم اعثر على ( الحزازير ) في السياسة الا في بلدنا ، وكأن حزازير الشهر الفضيل بقدرتها على تسلية الصائمين في تقطيع الوقت قد اصبحت مثالا يحتذى في التعامل مع متغيرات السياسة واستحقاقاتها سواء كانت تغيير الحكومة او موعد اجراء الانتخابات .
عندما أقر قانون الانتخابات العتيد اجتهد الكتاب في طرح الأسئلة التي يغلب عليها مفردات الحزازير : هل يعني ذلك حل مجلس النواب ورحيل الحكومة معه ؟. هل ستجري الانتخابات في هذا العام او الذي يليه ؟ من سيشكل الحكومة الجديدة ان حل المجلس ؟ . واذا جرت الانتخابات هل ستجرى في الصيف او في الخريف او على ابواب نوفمبر المقبل !؟. أسئلة تشغل بال المحلل والسياسي لكنها على بال مين عند ملايين المواطنين .
الفارق بين حزازير رمضان وحزازير السياسة في بلدنا كبير جداً ، لأنك يمكن ان تسأل صديق او تذهب الى غوغل للبحث عن اجابات الاولى وستجدها . اما حزازير السياسة واستحقاقات مواعيدها فهي عصية حتى على الدستور ، ومهما تساءل الكتاب و رجال السياسة عن هذه المواعيد فلن يجدوا لها جوابا خارج اطار التحزير ، والدليل انك لا تجد احدا في الحكومة يكترث لمثل هذه الأسئلة حتى وان طرحت في الصحف كل يوم ، وكأن صفة الغموض هي جزء من تعامل السياسة مع الرأي العام . وما يزيد الحالة حيرة انه غموض لم يعد يثير الحماس لمعرفة بين المواطنين ، وان أردت ان تثير الاهتمام باهمية الشفافية والوضوح بمواعيد الاستحقاقات ، قبل وقوعها بوقت طويل ، ستفاجأ بشبه اجماع يسري بين الناس انه لا فرق سيكون بين المجلس الحالي والمجلس المقبل وان المشهد السياسي سيظل على حاله سواء من جهة طبيعة أداء الكتل النيابية او في مواقف اغلبية النواب من اي حكومة مقبله سواء شكلها زيد ام عمرو .
عام ٢٠٠٥ كتبت مقالا بالعرب اليوم بعد التسمية المفاجئة لرئيس الحكومة الجديدة انذاك ذكرت فيه ” انه وقبل اعلان اسم الرئيس المكلف لو قمنا بطرح ١٠٠سؤال على ١٠٠ شخصية سياسية وحزبية في البلد وطلب من كل واحد فيهم ان يذكر اسماء ٢٠ شخصا يتوقع ان يكون رئيس الحكومة الجديد من بينهم ، فمن المتوقع ان يغيب اسم الرئيس المكلف عن جميع القوائم “. اليوم وبعد اكثر من ١٠ سنوات يمكن توقع مرور ١٠ سنوات اخرى بدون معرفة الاجوبة التي تتعلق بموعد الانتخابات وبعمر مجلس النواب وباسم الكتلة النيابية التي ستشكل اغلبية برامجية ، او التكهن باسم شخصيتين او ثلاثة سيشكل احدهم الحكومة بالاعتماد على قراءات وتحليلات مراكز استطلاع بين صفوف الرأي العام وهذا دليل على ان الحياة السياسية في البلاد تفتقر الى ملامح الوجه الواضحة .
الف باء الحياة السياسية التي فيها ديموقراطية ( سكر خفيف او سكر وسط) ان يعرف الناس الموعد المحدد للانتخابات قبل عام من إجراءها وان يروا أمامهم قبل اشهر من الاقتراع ملامح المعركة المقبلين عليها ، ان يعرفوا مبكرا هوية التيارات والاحزاب التي ستتنافس على حكمهم في السنوات الأربعة المقبلة ، من اجل ان يعرف المواطن وهو يقف في النهاية امام صندوق الاقتراع بان ارادته بالاختيار هي جزء فاعل من ارادة واختيارات الشعب والنظام ، فيكتب اسم الشخص المنتمي للحزب و التيار الذي يعتقد انه ان فاز بالاغلبية سيحمل تغييرات إيجابية على حياته في السنوات الأربعة المقبلة ، واهم من ذلك ان يشعر باهمية صوته في اسقاط البرنامج المضاد الذي يرى فيه سلبيات واخطاء كثيرة على المجتمع وشؤون الوطن . لهذا وصفت السياسة بانها ( حياة ) فيقال الحياة السياسية وقوة المنافسة وضعفها مؤشر ان كانت هذه الحياة راكدة جافة ام حيوية ومنتجة وفاعلة .
ما قيمة الانتخابات ان لم تحمل تغييرا في البرامج وفي تحديد اسم من يستحق ان يكون رئيسا للحكومة ؟. ما قيمة ان أدلي بصوتي ان كنت لا اعرف سلفا برنامج القوى المتنافسة ودورها في مجلس النواب المقبل وفي الحكومة ايضا ؟. متى تنتهي الحزازير من حياتنا السياسية فنعرف موعد الانتخابات باليوم والساعة تماما مثل تغيير التوقيت من الصيفي الى الشتوي وبالعكس ؟ . ومتى نرى حكومة معارضة في الظل تقود الشارع من خلال الحملات الانتخابية الى محاكمة ومحاسبة الحكومة التي كانت قائمة ومعاقبتها بإسقاطها في الصناديق او الإبقاء عليها اذا كانت المعارضة لا تملك قوة الاقناع للتغيير ؟.
الذين يفضلون الحزازير في حياة الاردنيين السياسية هللوا لقانون انتخاب يسمح للمرشح بالحصول على اكثر من صوت وللناخب بانتخاب اكثر من مرشح لكنه لن يحمل اغلبية برامجية الى مجلس النواب ، ولن يوصل أقلية من المعارضة البرامجية ايضا . وهولاء هم الذين ، ان سمعوك تطالب بقانون انتخاب ديموقراطي حقيقي تُشكل في إطاره القانوني التيارات والبرامج ويسمح بتنافسها في البرلمان عند تشكيل الحكومة سيقولون وهم يرفعون حواجبهم عجباً : احنا في سويسرا ولا في بريطانيا !!. يااخي على مهل …خطوة خطوة .. وبهذا المجال اذكر اننا قلنا بالخطوة خطوة والتدرج في عام ١٩٨٩ ، اي قبل ٢٧ عاما، وأننا لمرات عديدة استرحنا او رجعنا الى بداية الطريق . واذكر انه خلال هذه السنوات التي ترددت فيها خطواتنا السياسية ، انتقلت اجيالنا الشابة وبسرعة البرق من عصر التلفزيون المغلق(وأنتينه المعدني ) الى عصر البث الالكتروني على الموبايل ، مرورا بالفضائيات والإنترنت والفيس بوك والاستغرام ، وغير ذلك من مظاهر عصرٍ كل من يسير فيه خطوة خطوة يغامر بان يكون مهدد بمن يعيدونه الف سنة وألف خطوة الى الخلف .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى