#العقل_زينه

#العقل_زينه

د. #هاشم غرايبه
قد لا يجادل كثيرون في أن شخصية عالم الفيزياء “ستيفن هوكينغ”، كانت من ألمع الأسماء التي ظهرت في مجال الفيزياء، بسبب حالته الفريدة، وأثار الكثير من الجدل حول أفكاره، إلا أن كل ذلك لم ينتقص من الإعجاب بعبقريته، إذ لم تحل أوضاعه الصحية دون عطائه الباهر.
كان جسدا بلا حراك، لكن عقله تمرد على المعيقات وأثبت بذلك إعجاز خلق الله، فكان آية من آياته المعجزة: عقل حي يخرج من جسد ميت، فحين أصيب بالعصبون الحركي (الشلل الكامل) وهو طالب جامعي، تنبأ الأطباء أنه لن يعيش شهورا، لكنه عاش 76 عاما وتزوج مرتين وانجب ثلاثة أبناء، وأضاف نظريات جديدة الى الفيزياء.
على أن الإهتمام به بلغ أشده حين أعلن في عام 1987 نظريته في أصل الوجود، في كتاب: “موجز تاريخ الزمن” وخلص فيه أنه لا ضرورة لوجود خالق لهذا الكون.
احتفى العلمانيون واللادينيون والملحدون جميعا بهذه الفكرة أيما احتفاء، لأنها جاءتهم كالمنقذ بعد أن تساقطت كل حججهم التي يعتمدون عليها في نقض وجود الله.
في حقيقة الأمر لم يقدم أي دليل على عدم وجود خالق، سوى نظريته بأن الكون نشأ من العدم وتوسع وتعددت الأكوان، وربما يصل عددها الى التريليونات، لكن أيا من ذلك لا ينفي أن الكون نشأ بإرادة قوة جبارة فوق قدرة تصورنا، فالله تعالى قال أنه أنشأه من العدم وعلى غير صورة سابقة، كما أن فكرة الانبثاق العظيم (big bang) لا تعني أنه حدث صدفة، بل في لحظة معينة تعادلت فيها القوى الكونية الأربع، وهذا يستحيل حدوثه بلا مؤثر خارجي أقوى منها، ويثبت ذلك الضبط أن كل ما في الكون يحدث وفق قوانين ثابتة ليس بالإمكان الخروج عليها قيد أنملة، وأي تعديل يفعله الإنسان من مخترعات تلتزم بتلك القوانين أو بحالات استخدامها وفق محدداتها، فمثلا الأجسام الساقطة تتسارع وفق قانون الجاذبية الأرضية، ولا يعني اختراع المظلات أنه إبطال للجاذبية، فهو تعطيل موضعي ومؤقت لتأثيرها بقوة مضادة، وكذلك الأمر بباقي القوانين مثل الحرارة والمغناطيسية والاحتكاك.. الخ.
لقد اعترف “هوكينغ” في مقابلة أنه ناقم بسبب حالته وتساءل: هل هنالك إله عادل يمكن أن يوقع كل هذا الأذى بي؟، لذلك فليس مستغربا أن يميل الى الإلحاد، وقد ذكر د. محمد باسل الطائي استاذ الفيزياء الكونية في جامعة اليرموك الأردنية أنه التقي به في عام 77 في المؤتمر الثامن للفيزياء النسبية في كندا وسأله: هل وراء هذه المعادلات من قوة لا تصفها هذه المعادلات، ولكونه بالغ الذكاء فهم أن المقصود هو الله فأجابه: ممكن، شرط ان يكون معقولا، فسأله: وهل تعتقد أنه يمكن أن تتوصل عقليا الى ذلك؟ فأجاب مراوغاً: آمل ذلك.
يتبين أنه ككل الملحدين لا يملك دليلا واحدا على عدم وجود الله، بل إلحاده بدافع الهوى، اعتمادا على الشك بذريعة غياب الدليل الحسي.
كان “هوكينغ” حتى عام 75 مقتنعا بنظرية الثقب الأسود، وهي فرضية رياضية مبنية على أن هنالك نقطة ذات جاذبية هائلة، تجذب كل ما حولها، فهي تبتلع كل شيء يجاورها، لذلك فهو لا يُرى لأنه لا ينعكس عنه شيء حتى الضوء، لذلك نشأت نظرية فقدان المعلومات، أي أن كل شيء سيفقد، لذلك فلا يوم حساب ولا جنة ونار، في عام 2004 انقلب على فكرته واقتنع بأن المعلومات لا تفقد بل تنشر على سطح الثقب الأسود بشكل (هولوغرام)، وأحدث ذلك ارتباكا لفكرته الإلحادية، لكنه ما لبث أن عاد فاقتنع بنظرية M (التصميم الأعظم ) التي تقول بإمكانية خلق أكوان متعددة بدون الحاجة الى خالق: “فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ نَظَرَ . ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ .ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ” [المدثر:19-23].
لن ينتهي الجدل بموت هذا العالم المبدع، الذي وإن ظل حائرا يبحث، إلا أنه لم يصل لبغيته، ولن يصل غيره، بل قد يكون الله بحكمته أراده آية للناس، أن يكون آية بنبوغه رغم إعاقته، وآية بعجز الملحد عن اثبات رأيه مهما كان نبوغه.
وليس شرطا أن تأتي آيات الله الدالة على قدرته على يد المؤمن، فكان فرعون كافرا وأنجاه الله ببدنه ليكون للناس آية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى