العقل زينة

#العقل_زينة
د. هاشم غرايبه

في السيارات الحديثة #ميزات مبهرة، فهي تنبهك عندما تحتاج الى #صيانة، ويمكنها الاصطفاف تلقائيا ..الخ، العاقل عندما يدهشه ذلك لا يقول ما أذكى هذه السيارة!، بل يُعجَب بمن صنعها بهذه #المواصفات وبحكمة خياراته المفيدة.
لو رأيت شخصا يستنتج أنها ذكية بذاتها، وأنها أصلا تكونت من التقاء أربعة عجلات بالصدفة، ثم طورت لنفسها جميع تلك الأجزاء المتناسقة والمترابطة الوظائف، لضحكت من سخافة الفكرة.
ولو رأيته مقتنعا بأن مليارات الصدف اللازمة لذلك قد حدثت بشكل متناسق وباتجاه واحد على الدوام، لاتهمته بالجهل، حتى وإن كان استاذا في علم الفيزياء.
هذا مع آلة بسيطة، فكيف مع الآلة الأعقد والأكثر إدهاشا بمليارات المرات وهي الإنسان؟.
لنأخذ داء “السكري” مثلا على الدقة العالية في تنظيم الجسم البشري ذاتيا بفضل ما أودعه الصانع الحكيم فيه من آليات، ما زال الإنسان يعجز عن فهمها ناهيك عن التدخل بها.
فمع أنه أكثر الأمراض شيوعا في هذا العصر، إلا أنه لا يعرف سببه ولا علاجه، وهو صامت ما يكشفه إلا ارتفاع مستوى السكر في الدم، ويعتقد أن مشكلة ما تلم بالبنكرياس، فيحدث خلل في الهرمونات المنظمة لمستوى السكر في الدم.
البنكرياس عضو صغير في جسم الإنسان، ملحق بالجهاز الهضمي، وهو غدة افرازية وزنها حوالي 70 غراما، لكنها هامة جدا إذ تفرز إنزيمات هاضمة عن طريق قناة تصب في الإثني عشر، كما تعتبر غدة صماء تفرز هرمونات هامة وتصب في الدم مباشرة.
هذه الهرمونات تفرزها عناقيد من الخلايا فيه تسمى “جزر لانغرهانز” نسبة الى مكتشفها، وهي صغيرة الحجم قطرها 0.2 ملم وعددها يصل الى مليون جزيرة، مجموع وزنها أقل من 1 غرام، لكن كل واحدة منها تحتوي على خمسة أنواع من الخلايا، كل نوع يختص بإفراز مختلف، المشهور منها النوع المسمى (بيتا) يفرز هرمون الإنسولين، و(ألفا) يفرز هرمون الجلوكاجون، والثلاثة الباقية لها علاقة بتنظيم أمور متعلقة بالسكر.
السكر في الدم هو مصدر الطاقة، ويأتي من تفكيك النشويات في الجهاز الهضمي وتحويلها الى سكر أحادي (الجلوكوز) وامتصاصه ليلقى في الدم، وأهم وظيفة للإنسولين هو تخزين السكر في مخازنه في الكبد بشكل (جلايكوجين)، عندما يكون زائدا عن الحاجة، طبعا من يقرر ذلك مركز في الدماغ، هو عبارة عن مختبر حيوي للجسم يعمل فحوصا كل ثانية لمكونات الدم وخصائصه ولدرجة حرارة الجسم ونسبة الحموضة والمكونات الكيميائية، ويقرر التصرف فورا فيصدر الأمر الى الغدة النخامية والتي تزن نصف غرام فقط، لكنها تسيطر على كافة الغدد في الجسم، فتصدر أمرا الى البنكرياس بإفراز الإنسولين ويبقى فعالا الى أن تعود نسبة السكر الى الطبيعي فيصدر أمرا آخر بإبطال مفعوله.
إن حدث العكس ونقص معدل السكر عن النسبة الطبيعية بسبب الجوع أو الجهد الزائد، فيصدر الأمر بإفراز “الجلوكاجون” ذي المفعول المعاكس، أي أنه يحرر السكر من مخازنه في الكبد “الجلايكوجين” ويحوله الى (جلوكوز) من جديد ويطرح في الدم حتى تعود النسبة الى الطبيعي.
لكن لنفترض أن الشخص كان محروما من الطعام ونفذ مخزون السكر، فهنالك يتم الإيعاز للكبد بالبدء بتحويل الدهون المخزنة في الجسم كاحتياطيات للمجاعة، إلى الجلوكوز (سكر الدم) لكي يتمكن الجسم من توليد الطاقة اللازمة للبقاء على الحياة.
المدهش ان جميع المكونات الغذائية الرئيسة للجسم: البروتينات والسكريات والدهون، جميعها يحولها الجهاز الهضمي الى مكوناتها الأولية: أحماض أمينية وسكر أحادي وأحماض دهنية، حتى يمكن ان تُمتص، لكن الأكثر إدهاشا هو قدرة الكبد على تحويل أية مادة من هذه الثلاثة الى المادة الأخرى عند الحاجة، فيما لا يمكن لأي معمل فعل ذلك في الطبيعة.
الآلية التي تتم في الكبد ما زالت غير معروفة التفاصيل بعد، كما أنه ليس معروفا من وظائفه إلا عدد محدود من عدد كبير منها يعتقد أنها تصل الى مائة وظيفة.
هذا جانب مبسط جدا من إحدى الآليات الفائقة التنظيم، وليس كل جوانبها، والتي لا تخطئ في عملها مطلقا، ولا تتوقف عن أدائة بانضباط تام.
فهل كل ذلك الأداء الباهر، يدل على تنظيم وانضباط، أم عشوائية وعبثية!؟.
“هذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ” [لقمان:11].

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى