العقل زينة
د. هاشم غرايبه
من #الحقائق التي يكتشفها #الإنسان بقليل من التفكر، أن أكثر الناس اكتفاء بما علموه من المعارف هم الأكثر جهلا، أما #العلماء فهم متعطشون دوما لمعرفة المزيد، وكلما تقدم العالِم في العلم اكتشف كم أن ما يجهله أكثر كثيرا مما يعلمه.
لذلك حض تعالى على طلب #العلم فقال: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ”، فكلما تعمق العالِم في معرفة #أسرار #الكون، واكتشف جديدا، يزداد إعجابا بالدقة الفائقة في العلاقات البينية، سواء في الجمادات أم في الكائنات الحية، كما ينبهر بالكمال في أداء الوظائف وتأدية المهام الموكلة الى كل عنصر، بتناغم كامل مع وظائف العنصر الآخر.
لذلك تجد العالم الحقيقي (المحايد #العقل)، لا يجد تفسيرا آخر غير أنه لا بد من وجود خالق حكيم، فيقول عالم الفلك الإنجليزي “جيمس جينز”: “يبدو أن الكون قد خطط من قبل عالم رياضيات، لأن قوانينه تخضع كلها لمعادلات رياضية”.
ويقول “آينشتاين”: ” كلما تعمق المرء في اختراق أسرار الطبيعة، كلما ازداد توقيره لله”.
ويرفض مذهب إنكار وجود خالق فيقول: ” وفي ضوء هذا الانسجام الذي في الكون، والذي بعقلي البشري المحدود قادرٌ على إدراكه، هناك مع ذلك أناس يقولون لا إله. ولكن ما يغضبني حقاً هو أنهم يستشهدون بي لدعم مثل هذه الأفكار”، ويقول في استسخاف فكرة عبثية الوجود: “إن الإله لا يلعب النرد”.
يعتقد البعض أن الإلحاد عقيدة، وآخرون يظنون أنه مذهب مبني على نظرية.
لكن كليهما مخطئ تماما، فالمعتقد هو فكرة عقلية لتفسير أمر واقعي أصلا، لكنه مبني على شواهد مادية أوأدلة عقلية، والنظرية هي أصلا فكرة تفسر أمرا ماديا ثبت بالتجريب أنه محكوم بقانون ثابت أو علاقة ثابتة مهما تغيرت المتغيرات.
لكن الإلحاد هو مجرد فكرة تشكك بعدم وجود خالق اعتمادا على عدم القدرة على رؤيته، وبما أن عدم رؤية الشيء ليس دليلا على عدم وجوده، فذلك دليل على فساد المعتقد.
القائلون بالإلحاد يدعون أنهم لا يقبلون إلا الدليل المادي، لكنهم متناقضون إذ لا يوجد دليل واحد يثبت أن الكون وجد بالصدفة وتكوّن عشوائيا، بل العكس فالعلاقات بين مكوناته منظمة ودقيقة، والمخلوقات ووظائف أعضائها محكومة بنظام واحد، ولا نجد في أية حقبة دليلا واحدا على أنه وجدت كائنات مختلفة لا تخضع للقوانين الفيزيولوجية الصارمة التي تخضع لها الكائنات جميعها منذ الأزل (تولد وتتغذى وتموت).
إن التفسير الإلحادي القائل بأن مرور الزمن الطويل قد يبرر حصول المصادفات التي انتجت نظاما استمر بفعل الاستمرارية الذاتية، يناقض القانون الثاني في الميكانيك الحرارية (قانون Entropy)، والذي يقول أن محور الزمن هو عامل فوضى وليس تنظيم، والدليل أنه لو راقبنا سيل ماء يسير منذ ملايين السنين، وتنجرف فيه الحجارة بعشوائية، ستتكون تريليونات الاحتمالات من التشكيلات، لكن لا يمكن أن تكون شكلت بناء مرة واحدة، ولا حتى غرفة منتظمة الأبعاد.
يقول “نيوتن”: المادة جسم عاجز عن الحركة بذاته، لا يتحرك إلا بقوة خارجية”.
إن من يطلع على إحدى أروع معجزات الخلق التي تتكرر كل يوم، وهي تكون الجنين، من خلية واحدة، ومن هذه الخلية تتكون أنواع كثيرة متباينة أشد التباين في الخصائص والوظائف والمواصفات: مثل خلايا الجلد والشعر والأظافر، وخلايا العظم والعضلات والأعصاب والقلب والدم والكبد ..الخ، ولم يحدث أن حصل مرة نقص أو زيادة في العدد عن المطلوب، بل كل خلية تذهب الى المكان المخصص لها بدقة تامة، وتصطف معا بالعدد المحدد تماما، لكي تكوّن النسيج ثم العضو ثم الجهاز، بالتشكيل المطلوب للأداء الكامل المتكامل للجسم، وفي كل حالة بكفاءة مثالية، فلم يحدث خطأ مرة، أن خلية من نسيج أخذت مكان أخرى، فلم يعثر مرة على كائن حي نبت له أنفان وعين واحدة، أو ..أو ..الخ من مليارات الاحتمالات الممكنة، فيما لو كانت عملية التكون حصلت مرة بالصدفة، واستمرت هكذا وانضباطها بالصدفة المحضة وبلا ضابط متمكن.
وفي ذلك يقول عالم الفيزياء “بول ديفيس” لا بد من وجود مخطط يسير عليه الكون كما هي خارطة الجينات في الكائنات الحية، هل يعقل أن هذه الوحدات التي يبنى منها الكون كتبت مخططها لذاتها!؟”.