
#العقل_زينة
د. #هاشم_غرايبه
شاء الله تعالى في ابداع الخلق أن يوجد ثلاث آيات باهرة للعقل، وبعد أن يفهمها الإنسان يوقن أنها لا يمكن أن توجد عبثا بل من فعل موجد، الأولى آيات كونية تتعلق بخلق الكائنات الحية والجامدة وحينما يبلغ الانسان معرفتها يؤمن بان وراءها خالق مدبر حكيم، والثانية آيات تكوينية تبين كيفية أداء هذه الكائنات لوظائفها وأدوارها المتكاملة مما تبين أن خالقا واحدا هو من ابدعها، والثالثة آيات قرآنية تنطق بأسرار هذا الخلق وتفسر ما عجز عن استنتاجه، فيعلم الإنسان ان الله هو الخالق الواحد الأحد.
للآيات الكونية وظيفتان الأولى دور في تنفيذ النواميس الكونية بحسب مهمة محددة لا تحيد عنها وتؤديها كما رسمت لها، والثانية إرشاد البشر الى من وضعها ونظمها وضبط مهامها، أي الى الإيمان بأن خالقا هو من دبر ذلك وليست الصدفة العشوائية، لذا فهو خالق حكيم، وبما أن جميع تلك السنن تؤدي أدوارا متعددة متباينة لكنها متكاملة لا يطغى أي منها على الآخر ولا يناقضه، لذا فموجدها واحد غير متعدد، ولو كان غير ذلك: “إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ” [المؤمنون:91].
لذا فالوظيفة الأولى دالة على الثانية، فمن كان تفكيره منطقيا وذو عقل سليم، لا شك أن تأمله وتفكره في أيّةِ آيةٍ كونية سيؤدي به الى الوظيفة الثانية، والظاهرة منها لا تحتاج الى العلم والمعرفة أما الخفيّة فيلزمها ذلك، لكن المسار في كلتي الحالتين واحد لأنه محكوم بالتفكير المنطقي، وهو ملَكَةٌ عقليةٌ متاحة للمتعلم والجاهل لكن بدرجات متفاوتة.
لو أخذنا أبسط مثل متاح لكل ذي عينين، وهو الشمس، سنجد أن وظيفتها الكونية الأساسية لازمة للحياة، ولا يمكن للكائنات الحية الإستغناء عنها، فلو تأمل المرء أداءها لهذه الوظيفة سيجدها في قمة الكمال، يضبطها في ذلك مسار الأرض في مدار حولها ودورانها حول نفسها.
المدار البيضاوي يؤمّن تتابع الفصول الأربعة لتنظيم النمو النباتي، والدوران الذاتي يؤمّن تتابع الليل والنهار لتنظيم النمو الحيواني، وكل ذلك يتم بحسابات دقيقة متوازنة، كُيّفت لها المخلوقات في جميع مناطق الأرض لتناسبها وتتوائم معها.
عرف البشر ذلك قديما، لكن من إعجاز هذه الآية ( وكل آية لها إعجازها أيضاً)، أنه كلما تقدم الإنسان علما وازداد معرفة، يزداد اندهاشه من كمال أداء الوظيفة الأولى، فيزداد يقينا في الوظيفة الثانية: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]”.
عرف العلماء مؤخرا كيف ينضبط المسار البيضاوي فلا يحيد عنه، رغم أن ما يحكمه هو تعادل جاذبية الشمس للأرض مع القوة النابذة عن المركز بفعل سرعة دوران الأرض حول الشمس، لكي نتخيل ذلك: فأقصى سرعة حققها الإنسان هي سرعة الصواريخ الفرط صوتية (حوالي 22 ألف كيلومتر في الساعة)، بينما تبلغ سرعة الأرض ستة أضعاف ذلك!.
لكن ذلك ليس كل شيء، فهنالك القمر الذي تجذبه الأرض وتجذبه الشمس أيضا لكنه يبقى مساره ثابتا بدقة متناهية، وإذا أضفنا جاذبية الأجرام الأخرى للأرض، سنجد أن المسألة في غاية التعقيد والتداخل.
مع كل هذه التداخلات الجاذبة والنابذة، يبقى هذا المسار بيضويا وليس دائريا، مما يعقد مسألة انطباقه على مسار محدد على الدوام، فما الذي يجعله كذلك؟
في حقيقة الأمر هنالك ستة حركات للأرض، مما يجعل فهم ذلك في غاية التعقيد، لكن للتبسيط يمكن القول أن الأرض تزيد سرعتها في المسار القريب بمقدار 3 ملم/ثانية، لتعادل قوة الجاذبية الشمسية الهائل، وبهذه السرعة تتفلت من الإنجذاب المدمر للشمس، وعند حد محدد تبدأ في انقاص هذه السرعة لتعود الى السرعة الأصلية، حيث أن بعدها عن الشمس لو قل عن 156 مليون كم سترتفع حرارتها لدرجة تقتل الحياة وتبخّر المحيطات، ولو قل لتجمدت الحياة على سطحها، والأهم أن تلك السرعة لو حدثت من غير تدرج سواء في الإرتفاع أو الإنخفاض لدُمّرت كل المنشآت على سطح الأرض.
هل للأرض عقل هداها الى كل ذلك، أم أنه من تدبير عليم حكيم؟.
ولا نقول لمن يماري في ذلك، أو يجادل في حكمة منهج الله الذي وضعه الله للبشر لكي يتبعوه، إلاّ .. العقل زينة!.