العقل زينة

#العقل_زينة

د. #هاشم_غرايبه

في مقابلة تلفزيونية، يوضح البروفيسور “أناتولي كليوسف” مؤسس علم جينيولوجيا الحمض النووي (تحديد الأنساب استنادا الى فحص الحمض النووي)، بأنه بات بالإمكان التأكد من الإنتساب الى السلالة بالفحص وبنسبة دقة تقارب 99%، وذلك من فحص الكروموسوم الذكري (XY)، والذي لا يوجد إلا في الذكر.
يسأله المذيع اذاً فهذا موافق لما يقول به (القرآن الكريم) قبل اربعة عشر قرنا من اكتشافكم، في قوله تعالى: “وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ”، و”ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ” [الأحزاب:4،5]، و”وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ” [النجم:45،46]، فيجيبه: نعم لقد ثبت أن جنس المولود يحدده الكروموسوم الذكري، وأكثر من ذلك، فأن الانتساب يكون للأب، ونحن يمكننا تحديد السلالات في الذكور.
فيسأله المذيع بقوله تعالى: لماذا إذا لا يقتنع العلماء بالدين؟، فيرد عليه لا ينبغي لعالم أن يقتنع بالدين فهو يعطيك المعلومة جاهزة، والعلم لا يؤمن إلا بالتجريب والبرهان.
قد يكون في ذلك الحوار تفسير لكون كثير من العلماء الغربيين ملحدين، فهم لا يعرفون الله إلا من خلال الصوره التي رسمتها الكنيسة الأوروبية، على أنه تجسد في الأرض بشكل المسيح الذي ضحى بحياته لتخليص المؤمنين به.
ولما كانت هذه الصورة تتناقض مع عظمة الإله ولا تقنع الإنسان العادي ناهيك عن عقل العالِم، لذلك يرفضون الدين المرتكز عليها، وينسحب الرفض على الإسلام، الذي ترسخ في المفهوم الغربي أنه ليس دينا إلهيا بل ابتداع بشري.
لكن لندع كل ذلك، ولنناقشهم بالأسلوب العلمي الذي لا يقدر العالم الحقيقي على رفضه:
المؤكد بشكل يقيني أن كل مولود دخل الحياة نتيجة تزاوج ذكر بأنثى، ولوعدنا بالتسلسل الى بداية البشرية، سنصل منطقيا الى أن الطفل الأول في هذا الوجود ولد من أب وأم، ألا يجب على العالِم أن يتساءل: ألا يتحتم وجود الأب الأول والأم الأولى قبله!؟.
بحسب ما يؤمنون به بنظرية تطور الإنسان من قرد، والقرد جاء من كائن بدائي قبله، وهكذا حتى يصلوا الى الكائن وحيد الخلية، والخلية الأولى من تفاعل بعض عناصر الموجودة في القشرة الأرضية.
رغم استحالة توافق مليارات الإحتمالات لتكوين (DNA) الذي يعتبرونه السر وراء تحول المركبات الكيميائية الميتة الى (الحيوية)، لنوافقهم جدليا على أن هذا التفاعل نتج صدفة، وكل ما تلاه من تحورات كانت كلها صدف في اتجاه محدد وتصب في نتيجة محددة، لنتقبل كل ذلك بلا جدل رغم استحالته بمنطق العشوائية العلمية، ولنسأل فقط سؤالا قاصما لفكرتهم:
إذا كان الإنسان جنسين: ذكر وأنثى، ومعروف أن وظيفة كل منهما في التكاثر فيزيولوجيا مختلفة كليا، فجميع الأعضاء في الجهاز التناسلي لهما مختلفة لأن وظيفتها مختلفة، فكيف تضافرت آلاف مليارات الصدف في خلال عملية التطور الطويلة (آلاف المليارات من السنين)، وظلت تسير جميعها على نسق متوافق لكلي الجنسين، وفي فترات متوازية تماما، ولم تخرج أي منها عن ذات النسق أو البرنامج، رغم ما يفترض بالصدف أنها عشوائية؟. لنصدق ذلك وأنه في نهاية هذه السلسلة تكوّن ذكر واحد وأنثى واحدة فقط، وفي مكان محدد من العالم، وفي الزمن ذاته.
أليس ذلك مستحيلا؟!، إذ لوتباين المكان والزمان قليلا لما التقيا، ولمات أحدهما قبل أن يتزاوجا.
ولو صدقنا مقولة الصدف، فماذا انتجت الصدف الأخرى، ومن الذي ألغى نتائجها، ولم يبقِ إلا منتج صدفتين، تطابقتا تماما، واحدة ذكر وأخرى أنثى!؟.
أليست فكرة الصدف العشوائية سخيفة، لدرجة لا يمكن لطفل أن يصدقها، فما بالك بعالِم!.
بالمقابل، عندما تجد جميع الحيوانات بما فيها الإنسان، على نسق واحد في الولادة والموت وفي أنظمتها الحيوية فالمنطقي أن تستنتج أن صانعها واحد، ومن غير المنطقي أن تعتقد أنها كائن واحد أصلا، تحور بصدف محضه ومن غير توجيه، لتنتج هذه المخلوقات المتباينة في أدائها لمهامها، لكنها تتكامل مع بعضها في نظام حيوي مترابط منضبط بدقة بالغة.
القضية ليست في أن العقل العلمي يرفض الدين لأنه لا يقبل بالمقولات المفروضة من غير إثبات، فها هو يتقبل التفسير الغارق في خزعبلات الصدفة والطفرة والتحور، والتي ليس عليها دليل تجريبي واحد، ولا منطقي.
إذاً فإلالحاد هو عاهة عقلية اختيارية، آفتها امتطاء العقل للمكابرة وليس اتباعه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى