العقل زينة

#العقل_زينة

د. #هاشم_غرايبه

على مدار التاريخ هنالك كثير من الزيف جرى بإسم العلم والبحث عن الحقيقة، وقُدِّم الى الناس بهدف التضليل والتعمية على الحقيقة، أكثره جرى عندما نزل الدين، ورأى فيه المترفون الذين يخشون فقدان امتيازاتهم أنه يشكل خطرا عليها فحاربوه، ولم يتركوا وسيلة لتنفيذ مآربهم إلا استعملوها، وسخروا في ذلك ثرواتهم ونفوذهم، فاستمالوا به علماء ومفكرين، ليناصروا بهم الباطل، “وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ متْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ” [سبأ:34].
سأورد مثلين مشهورين على ذلك، الأول: مقولة أن داروين هو صاحب نظرية أن الإنسان أصله قرد.
يقول “د. أناتولي كلوسوف” مؤسس علم جينيالوجيا الحمض النووي، وهو العلم الذي يعنى بالأنساب وتتبع السلالات البشرية، إن داروين على عكس ماهو شائع لم يقل بذلك أبدا، بل يؤكد أنه لم يذكر القرد أبدا في كتاباته، ولم يكن داروين ملحدا فقد رد على منتقديه من ذهابه الى الكنيسة :” إنه من العبث الشك في قدرة الإنسان على الجمع بين الإيمان بالله ونظرية التطور في نفس الوقت”.
لكن من قال بذلك هو “فريدريك إنجلز”، والذي نسب رأيه هذا الى “داروين” ليكتسب رداء علميا زائفا، لكن الغريب هو أن الجميع تقبل أن نظرية التطور هي التي قالت بأن القرد هو جد الإنسان، ولم يكلف أي عالم نفسه أو حتى إنسان عادي، عناء البحث للتحقق من صدق ادعاء “أنجلز”، فهم يعتبرونه مفكرا ثقة لا يكذب!!، والى اليوم لا يقبل بحث علمي لا يقول أن الإنسان منحدر من سلالة القرود، رغم أنه لا يوجد أي دليل مادي واحد على ذلك.
الطريف أن العلم لا يتقبل أية فرضية إلا بأدلة ثبوتية، ولا تعتمدها المؤسسات العلمية كنظرية إن لم يقدم واضعها تجربتين على الأقل تنقضان النظرية، وبفشلهما بإثبات العكس تعتبر النظرية صحيحة، الى أن يتمكن أحد من إثبات عدم صحتها.
أما فكرة أن الإنسان أصله قرد، فهي فرضية ليس عليها دليل مادي واحد، بمعنى أنه لم توجد مستحاثة أو عظمة لكائن بشري يمثل المرحلة الوسيطة في التطور المزعوم من قرد الى إنسان رغم أنه نظريا حقبة من مئات الملايين من السنين، فهي لا تعدو فكرة جاء بها “أنجلز” ليدعم بها فكرته القائمة على أنكار وجود خالق او ضابط للمخلوقات.
ومع ذلك تتعامل معها جميع المعاهد البحثية في العالم على أنها حقيقة مؤكدة وليست حتى نظرية..ما هو السر؟.
إنه التضليل الذي يمارسه المترفون (حكومة العالم الخفية)، وبمالها ونفوذها تمارس التزييف، وتحميه من الطعن بسيطرتها على أمهات مراكز البحوث التي تتولى رعاية وتمويل المؤسسات العلمية.
المثل الثاني: هو تزييف معنى القول الشهير المنسوب الى “ماركس”، وهو “الدين أفيون الشعوب”.
عند تحري الحقيقة نجد أن هذه الفقرة مقتطعة من قول “ماركس”: “الدين زفرة الإنسان المسحوق، روح عالم لا قلب له، كما أنه روح الظروف الاجتماعية التي طرد منها الروح. إنه أفيون الشعب”، وقد وردت في مقدمة كتابه الذي كتبه عام 1843 وينتقد فيه أفكار “هيجل” الإلحادية، وإسمه “نقد فلسفة الحق عند هيغل”.
إن المعنى لما قاله واضح، فهو يعتبر الدين بلسما شافيا، والملتجأ الوحيد للمظلومين، وليس كما يريد المعادون له بتصويره على أنه مخدر للشعوب يمنعها من النهوض والتصدي للإستغلاليين.
فلماذا يلجأ من يدعي الثقافة والتنوير الى الكذب والتواطؤ عليه؟.
لا توجد إلا إجابة واحدة وهي هشاشة الفكرة التي يتبناها وضعف حجتها، ويؤكد ذلك ادعاؤه الكاذب باتباع المنطق والخضوع لسلطان العقل.
المشكلة أنهم يغلقون عقولهم أمام معرفة الدين، ولا يرونه إلا بالصورة الكنسية الأوروبية: رجال دين مستبدون، وطقوس وأيقونات، وتراتيل يرددها قساوسة ورهبان بلغة لا يفهمونها، وهي صورة لا توحي بأن يكون الدين ملتجأ للمقهورين.
بالطبع هم لتعصبهم لا يعترفون بحقيقة الدين، ولا بأن القرآن من عند الله، فلا إجابة عندهم على السؤال: لماذا أن التوراة من الله والقرآن ليس كذلك؟، إذ يقفز التعصب الموروث فورا ليغلق عقولهم ويلغي منهجهم العلمي الذين يدّعون زيفا اتباعه.
لذلك نرى كيف يحسن إسلام الأوروبي عندما يتاح له اختراق التضليل المضروب عليه، فيستخدم عقله ويتبع الحقائق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى