العقل زينة
د. هاشم غرايبه
النسبة الذهبية (Golden Ratio) هي تناسب أبعاد شكل ما، فترتاح العين لمرآه وتعتبره جميلا، ووجد الإنسان أنها تتحقق ان كان ناتج قسمة بعدي الشكل الرباعي مساويا للرقم 1.618.
اكتشفت هذه النسبة قبل الميلاد، وعرفت كثابت رياضي، لكنه لم يحسب بدقة إلا عام 1597 عن طريق عالم الرياضيات الألماني “مايكل مايستلن” وتبلغ قيمته الدقيقة 1.618033
لقد لوحظ وجود هذه النسبة في #جسم #الإنسان وفي مختلف #النباتات والكائنات الحية، بالإضافة إلى اعتمادها من قبل البشر في بناء صروح تاريخية ولوحات فنية عمرها مئات السنين.
وقد وجد المعماريون والفنانون والمهندسون منذ القدم أن مراعاة هذه النسبة تقدم درجة #التناسق والجمال الأفضل، فاتّبعوها في أبنية الحضارة المصرية وبلاد الرافدين وفي مبنى “البارثينون” الذي شيده الإغريق منذ 2500 عام، وهي موجودة إلى الآن في المباني الحديثة مثل مقر البنتاغون.
ولما كانت #النسبة_الذهبية موجودة أيضا في كل تفصيل من جسم الإنسان ومختلف الكائنات الحية الأخرى، لذلك يسميها البعض بالنسبة الإلهية.
فوجه الإنسان المثالي مثلا يزخر بالعديد من الأمثلة على النسبة الذهبية التي أظهرتها قياسات المصممين والفنانين، فالرأس بيضاوي الشكل ويحقق خط تمركز العينين فيه هذه النسبة، وكذلك النسبة في ساق الإنسان بين جزأيه الكبير والصغير، و النسبة ذاتها تنطبق على جزأي الذراع، والمسافة فوق وتحت الفم… الخ من تفاصيل الجسم.
بعد ظهور خرائط (google earth) أصبح من السهل قياس المسافات على الكرة الأرضية، فتم قياس المسافة بين الكعبة والقطب الجنوبي فوجدت 12361.17 كيلومترا، ووجدت المسافة بين موقع الكعبة والقطب الشمالي أنها 7639.50 كيلومترا، وعند تقسيم الرقم الأول على الثاني تكون النتيجة 1.618، وهي النسبة الذهبية تماما، ويمكن لأي كان تجريب عملية القياس هذه وستكون النتيجة نفسها.
أما شرقا وغربا فلو اعتمدنا خريطة “ناسا” التي تظهر فيها القارات كاملة، وباستعمال القياسات الدقيقة (pixel) سنجد أن موقع الكعبة بين أقصى نقطتين على اليابسة يحقق هذه النسبة طولا وعرضا في آن واحد.
حتى لو كذّبوا دقة ما صنعوه بأيديهم (الأقمار الصناعية)، فهل يمكنهم تكذيب ما اتفق عليه الفنانون والمعماريون القدماء؟ ألم يجدوا تأكيد وجودها في مخطوطات “ليوناردو دافنشي”؟.
في الحديث الشريف: “والَّذي نفسي بيدِه أنَّ ما بينَ المصراعينِ من مصاريعِ الجنَّةِ كما بينَ مَكةَ وَهجرٍأو كما بينَ مَكةَ وبُصرَى”، (هجر أقصى نقطة في قطر)، ولقد قمت بقياس المسافتين على خريطة “جوجل” فوجدت أنهما متساويتان وهما حوالي 1285 كم!.. ترى هل كان لديهم (GPS) زمن التنزيل تقيس لهم المسافات، أم أن المعلومة أوحي بها من لدن عليم خبير!؟.
“سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” [فصلت:53].
الملاحظ أنه منذ أن أنزل الله رسالاته على البشر والى اليوم، المكذبون بها هم ذاتهم، لم يتغير دأبهم، فهم بداية يمارون ويطلبون دليلا، فكانوا عندما يأتيهم الدليل محسوسا يتهمون الرسول بالسِّحر، وعندما يكون عقليا بالدليل المنطقي يتهمونه بالجنون.
جاء تعالى بقصة فرعون ليبين ذلك، وبأن البشر المكذبين بالدين لو جئتهم كل يوم بدليل سيبقون على عنادهم، فهو ابتدأ منطقيا، فطالب موسى عليه السلام بدليل مادي معجز للعقل، فلما جاء باثنين (العصا واليد البيضاء)، قال إن صاحبكم ساحر عليم، وعندما أثبت بالمنطق أن الله هو رب العالمين وليس فرعون، قال إنه مجنون، وعندما جرت المناظرة عمليا، ودحضت المعجزة الإلهية كل ما جاء به السحرة، واعترفوا بذلك وآمنوا، نسي ادعاءه بالاحتكام الى العقل والمنطق، فلجأ الى القمع والبطش والتنكيل بالمؤمنين.
هذا دأب معادي منهج الله، لم يتغير في كل العصور، لذلك ومهما جئتهم من حجج، فلن تقنعهم، فليس اختيارهم ناجماً عن تحكيم عقلي بل موقف مسبق له.
ولأن الله لو علم فيهم خيرا لهداهم، لذلك حرمهم من الاستفادة من هديِه: “وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا” [الإسراء:46].
لذلك، فسلسلة مقالات “العقل زينة” ليست لإقناعهم، فهم لا يبحثون عن الحقيقة، إنما هي موجهة للمؤمنين، ليزدادوا يقينا، فيربط الله على قلوبهم، ليصمدوا في مواجهة فراعنة هذا العصر.