
السبي في الإسلام
هنالك خلط مقصود لدى من يعادون الإسلام، بين حكم الدين وممارسات الدولة الإسلامية تاريخيا، فيحيلون ممارسات الطبقة السياسية الى أنها التطبيق العملي للإسلام السياسي، ويحملون أحكام الدين وزر الممارسات الخاطئة للمجتمعات الإسلامية، فوق أنهم يحاكمون المفاهيم التي كانت سائدة عالميا بمعايير الحاضر ومقاييس آخر ما توصلت له المفاهيم البشرية.
من أكثر الإتهامات الظالمة التي يروجون لها هي أن الفتوحات لم تكن لنشر الدعوة بل للسبي لاتخاذ الجواري والسراري.
السبي مثله مثل استرقاق الأسرى كان تقليدا متبعا عند سائر الأمم، ومنهم العرب في الجاهلية، فكان المنتصر في المعركة يقتل مقاتلي الخصم ويستولي على كل أملاكهم وديارهم ، كما يسترق الأولاد عبيدا ليكبروا في العبودية أيضا، أما النساء فكن سبايا وظيفتهن خدمة المنتصرين وتقديم المتعة الجنسية لهم.
في المجتمعات الشرق آسيوية والأوروبية، لم تكن هنالك أية معالجة راديكالية لهذه المسألة، ولم ينظر الى العبيد والسبايا كمشكلة لأن النظام السائد هو الإقطاعي، الذي يقسم المجتمع الى السادة وهم العائلات المالكة والنبيلة ورجال الكنيسة، وباقي المجتمع هم من الأقنان، لا يختلفون في شيء عن العبيد والجواري في الشرق بل هو أسوأ لأن قاعدة المستعبدين أعرض كثيراً.
وبالرغم من تطور مفاهيم حقوق الإنسان في الغرب مترافقة مع الثورة الصناعية ونشوء أنظمة سياسية ديمقراطية، فلم تصدر عن المؤسسات التشريعية أية تشريعات حازمة، بل ترك الأمر للتطور الطبيعي وفق احتياجات المجتمعات، والتراث الثقافي الغربي مكتظ بروايات مثل ” كوخ العم توم” و”الجذور”التي تجسد واقع الزنوج :ذكورهم عبيد وإناثهم إماء، لكن أحدا لم يُحمّل الوزر للمسيحية أنها لم تمنع ذلك بل للمجتمعات، في المقابل، يُحمّل المتحاملون على الإسلام، خطيئة وجود الإماء والعبيد فترة الدولة الإسلامية، للدين وليس للمجتمعات، مع أن تشريعاته واضحة وقاطعة بمكافحة ظاهرة العبودية، فلا يوجد أي نص يبيح استرقاق الأسرى أو السبي، ومعالجة قضية الأسرى مبينة بدقة في الآية الكريمة: ” فشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا”، فليس هنالك سبي ولا إسترقاق.
يبقى موضوع ملك اليمين، فهنالك بضعة أمور جرى تفسيرها بشكل غير سليم:
1 – يجب الإنتباه الى أن ذكر (ما ملكت أيمانكم) أو أيمانهم جاءت في القرآن ثلاثة عشر مرة، وبصيغة (ما ملكت أيمانهن) مرتين، مما يعني أن ملك اليمين ليس مقصورا على الرجال، ولا يخفى ما لذلك من نسف لفكرة أن الأمة وجدت لتسري الرجال به.ا
2 – قال تعالى ” والذين هـمْ لفـروجهـمْ حـافظون إلاّ عـلى أزواجـهمْ أوْ مـا ملكـتْ أيمانهم “[المؤمنون:6]، نلاحظ أنه تعالى اسـتخدم في كل المرات حرف (أو ) ولم يستخدم (و)، والمعروف أن ذلك للتخيير بين أحد الأمرين وبالتأكيد فلا يعني الجمع بين الحالتين في ممارسة الجنس، لكن غلبة الشهوانية الذكورية جعلت التطبيق جمعا وليس اختيارا.
3 – متفق عليه أن المقصود بملك اليمين هي الأَمَة، وهي قد تكون مملوكة ليمين الرجل أو المرأة، وقد أجاز الفقهاء في عصر الأمويين التسري بها من غير زواج بحجة متهافتة وهي تلبية حاجتها الغريزية، لكن التشريع القرآني قصد الاختيار بين الزواج بين المحصنة وملْك اليمين، بدافع الفقر وعدم القدرة على كلف الزواج من الحرة المحصنة، والدليل هو قوله تعالى سورة النساء: “وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ”…”فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَان”
فالسـبب مـالي بحت، ويكون بزواج شـرعيّ وليس مسافحة وبموافقة أهـلها و بمهـرٍ معـروف.
هكذا هو ملك اليمين شرعيا وليس كما فسر ليتوافق مع شهوانية العربان المترفين.
