العدالة وبطش السلطان / موسى العدوان

العدالة وبطش السلطان

في كتابه الذي صدر حديثا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بعنوان ” الحريات الأسيرة بين استبداد الحكم واستغلال الدين ” : يقول الوزير السابق الأستاذ الدكتور محمد الحمّوري ما يلي وأقتبس :

” في عام 1540 تعرض المواطن الألماني كولهاس لظلم شديد من السلطة، فلجأ إلى القانون لحمايته وإنصافه، لكنه فشل، ومن ثم لجأ إلى الدين الجديد ممثلا بالقس مارتن لوثر الذي أنشأ المذهب البروتستانتي كدين يعلي من شأن العقل في مواجهة الغيبيات اللاهوتية السائدة في الكاثوليكية، لكن المذهب الجديد عجز عن حمايته، إذ استقرار التحالف بين الدين والسلطة القادم من الماضي، كان راسخا. فما كان من الرجل سوى أن يعلن ثورته على الواقع الاجتماعي والديني، لتكون محصلة هذه الثورة نشوء مبدأ : أن الحق الذي لا يحميه القانون لا قيمة له، وأن القانون الذي لا يجد قوة تفرضه على الجميع ليس قانونا . . . .

كان كولهاس المواطن الألماني الصالح الأصيلة ، يعرف أنسابها وتسلسل أصولها فيبحث عن تلك التي تعجبه ويشتريها صغيرة، ثم يقوم على تربيتها ورعايتها وتدريبها وتجهيزها للبيع. وامتلأت حظائره بالخيل المميزة، حتى أصبحت محط أنظار الباحثين عنها. وكان لكوهاس زوجة جميلة أحبها وأحبته وشكلت عونا له في تجارته.

مقالات ذات صلة

وكان كولهاس قد اعتاد في رحلاته الكثيرة على المرور من مقاطعة ( Saxony ) العائدة إلى الأمير فون ترونكا أحد النبلاء ذوي السلطان السماوي. لكن الأمير فون ترونكا اعتقله في المرة الأخيرة، بحجة عدم وجود إذن بالمرور. ولم يجد كولهاس أمام ذلك سوى ترك اثنين من خيوله وأحد مساعديه رهينة، والذهاب إلى درسدن عاصمة المقاطعة للحصول على إذن المرور الذي طلبه الأمير. وهناك اكتشف بأن الإذن غير مطلوب، وأن حرية المرور مكفولة للجميع.

وعندما عاد كولهاس لأخذ خيوله، وجد أن الأمير قد استخدمها في فلاحة أرضه حتى أنهكها وشارفت على الموت، وأن مساعده عندما اعترض على ذلك، جلده الأمير على نحو غير آدمي. ولجأ كولهاس إلى القضاء ليحصل على حقوقه، لكن الأمير استخدم نفوذه للضغط على القضاء، واستصدر حكما برفض دعوى كولهاس، لأنه مشاغب ودعواه ضد الأمير كيديّة.

وأمام ذلك، قرر كولهاس أن يحقق العدالة بيديه، بعد أن أنكرها عليه القضاء، فباع أراضيه وماشيته، واستجمع أسرته وأقاربه وأصدقاءه وقاموا بثورتهم على الأمير، وقال : إن المواشي وحدها هي التي تقبل بمصادرة حقوقها وحرياتها، وسوف أكون مثلها إن سكتّ على ما حدث معي من هوان.

وبدأ الصدام مع عساكر الأمير، وطعن أحد الجنود زوجة كولهاس فماتت، وأقسم كولهاس عند قبرها أن يواصل المشوار حتى يثأر لها في محاسبة الأمير، أو يلحق بها. فلجأ إلى الدين ممثلا بالقس مارتن لوثر، زعيم المذهب اللوثري الإصلاحي ( البروتستانتي ) حديث النشأة، من أجل إنصافه من ظلم الأمير . . .

تعاطف هذا الثائر الديني مارتن لوثر مع الثائر الاجتماعي والسياسي مايكل كولهاس، لكن مساعي لوثر في إنصاف الرجل من الأمير باءت بالفشل. وعندها قال له كولهاس : أين عدالة الدين الذي تبشرنا به، وأين عدالة القانون الذي تتحدث لمواطنيك عنه، من حماية حقوق وحريات أبناء ألمانيا، بعد أن هجره القضاء الموكل بتطبيقه، وتم اغتيال العدالة عل يد الدولة التي عليه حراسة القانون ؟ وهكذا انتصر بطش السلطان على العدالة “.

ومن وجهة نظر الفكر الدستوري الألماني، فإن كولهاس كان بطلا قوميا، إذ أنه عندما لجأ إلى القضاء والقانون والدين الجديد لإنصافه، وفشل في ذلك، لم يجد أمامه، في سبيل حماية حقه وحريته، سوى أن ينتزع سيف العدالة من يد القضاء المرتعشة على مرأى الدين ومسمعه، ويشهره على دولة لا تحترم حقوق الإنسان وحريته “. انتهى الاقتباس.

* * *

التعليق : إنها قصة بليغة، تظهر دور الحاكم والدولة في تحقيق العدالة والابتعاد عن الظلم، كما أنها تشكل عبرة جديرة بالتفكير والتطبيق، من قبل المسؤولين في مختلف مواقعهم . . !

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى