العدالة والمساواة الاجتماعية
محمد الجبور
العدالة الاجتماعية من المفاهيم الأكثر تداولاً في أيديولوجيات ونقاشات الأحزاب السياسية والجمعيات الثقافية فهي تشكل الحصان الذي يمتطي من خلاله السياسي أو النقابي الرأي العام بتقديم وعود خالصة الإنسانية تتأرجح بين مفهومين متكاملين هما: المساواة والانصاف
بداية، تأتي العدالة الاجتماعية تطبيقاً لمفهوم المساواة الذي نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان معتبراً أن الأفراد يولدون أحراراً ومتساوين في الحقوق والتطبيق الحقيقي لمبدأ المساواة من الناحية الاجتماعية يوجب التمييز بين المساواة بين الأفراد من جهة والمساواة بين المجموعات المكونة للمجتمع من جهة ثانية على مستوى الأفراد، تعني العدالة الاجتماعية أن يكون الأشخاص الموجودون في ظروف متطابقة خاضعين لمعاملة متساوية وبالأسلوب نفسه وأن تعطى لهم الحقوق ويخضعوا للموجبات نفسها لكن العدالة الاجتماعية تتجاوز هذه المساواة القانونية الشكلية إلى التكافؤ في الفرص وبذلك يسعى المشرع عبر خطط تعليمية أكاديمية وتطبيقية الى تمكين جميع الأفراد من الفرص نفسها في النجاح وفي اثبات قدراتهم على الصعيدين الوظيفي والاجتماعي ما يؤدي إلى إنتاج نخب اجتماعية مكونة من أطياف المجتمع كافة كذلك توجب العدالة الاجتماعية اعتماد معايير التمييز الإيجابي بين الأفراد فلا تمييز بين أجور الأفراد الذكور والاناث المتمتعين بذات الأهلية العلمية والوظيفية ولا تمييز في التقديمات الاجتماعية والإنسانية للمواطنين الأصليين ولا تمييز في الاستفادة من القطاعين العام والخاص بين شخص غير معوق وشخص معوق أما على مستوى الجماعة فان العدالة الاجتماعية تعني المساواة في الحقوق السياسية بين مكونات المجتمع الواحد وبذلك يتوجب على الدساتير والقوانين الأساسية الحد من تعسف الأغلبية والعمل على حماية حقوق الأقليات الاجتماعية والفكرية عبر اعتماد قوانين انتخابية تسمح للجميع بالمشاركة في الحياة البرلمانية وفي صناعة وصياغة التشريعات الاجتماعية والضريبية والصحية ثم تأتي العدالة الاجتماعية من ناحية ثانية تطبيقاً لمبدأ الإنصاف فيؤخذ بعين الاعتبار ليس فقط مكونات المجتمع من أفراد وجماعات إنّما ينظر إلى الفوارق الطبقية والمالية والثقافية والإنسانية بين أبناء هذا المجتمع وهي بذلك تعني العمل على إزالة وتقييد هذا التفاوت في الحقوق والواجبات عبر آليات وتقنيات قانونية وادارية تخفف من الفوارق الاجتماعية وتضمن للجميع حداً أدنى من العيش الكريم
يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسوان مرور الانسان من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية يؤدي إلى تغيير واضح في أسلوب معيشته لتحل العدالة مكان الغريزة لا شك أن انتفاء الغريزة وتفعيل العدالة هو التعبير الأسلم عن تراجع الأنانية الذاتية مرورا ا بالاعتراف بوجود الآخرين وحقوقهم وصولا إلى تحقيق العدالة الاجتماعية