
مسؤولو السقي والبعل
سهير جرادات
من المتعارف عليه أن ري المنتوجات الزراعية من الأشجار والنباتات تتم بطريقتي السقي أو البعل ، فيطلق على كل شجر أَو زرع ، يسقى بمياه الأمطار، دون تدخل بشري ب(البعل) ، فيما يطلق على المزروعات التي يتم تزويدها بالماء بتدخل بشري، أو من خلال تركيب أجهزة مثل المنقطات والرشاشات، أو بحفر قنوات لحركة المياه لري المزروعات ، باسم (السقي).
لم تعد خاصية ري المزروعات حكرا على القطاع الزراعي ، بعد أن تمت سرقة أسلوبها واستنساخها ،بحيث تم تطبيقها في اختيار المسؤولين ورعايتهم لتولي المناصب المهمة والحساسة، إذ يقوم المسؤول الفاسد عند نشر أعوانه في المناصب والمواقع الحساسة ، باختيارهم بعيدا عن المؤهلات والخبرات معتمدا على مقدار ولائهم له ، واحترامهم لقراراته ما سخف منها وما عظم ، وطاعتهم العمياء في تنفيذ أوامره .
وبعد استصلاح أفضل الأسوأ ، بالطبع بعيدا عن الكفاءة والقدرة والأحقية ، يتم قلعه من جذوره السابقة ، وولاءاته وانتماءاته القديمة ، وبعد ” تمريغ ” رأسه في التراب ، وزراعته في الأماكن المراد له أن ينمو بها ، وتحديدا في المناطق غير الصالحة إلا للفساد ، والتي تتكاثر فيها الشللية، والواسطة والمحسوبية .
مثل هذا المسؤول تتم رعايته بأسلوب الري عن طريق ” السقي ” ، ولغايات التحكم بكمية الماء المراد تزويده بها ، وحجبه حسب رغبة كبير المسؤولين ، وفي الوقت الذي يريد ، وبهذه الطريقة يضمن ذلك المسؤول أن لا ينبت في بستانه إلا المسؤول الذي نشأ وترعرع على الفساد ، ولا يعرف سوى التطبيل والتزمير وتقبيل الايادي، التي كانت لها الفضل عليه في زراعته في أماكن لم يكن يحلم بها في يوم من الأيام، ولا يحلم أن يصل اليها، أو يتبوأ كراسيها .
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد ، من ايجاد مسؤولين ذممهم مشتراة عن طريق رعايتهم بالسقي ، بل يتجاوز ذلك بكثير، حتى يصل إلى وضع وتصميم التشريعات التي تخدم مصالح هؤلاء الفاسدين من بعض المسؤولين لخدمة مصالحهم على حساب الآخرين ، وبطريقة فيها تعد على حياة الناس وسلبهم لحقوقهم.
هذا الأسلوب بالطبع لا يتعلق بالمسؤول الجيد الذي يمتلك الرغبة بالعمل العام ، ويمتلك الخبرة والحب الخالص للعمل الجاد ، إلى جانب حمله للمؤهلات والخبرات التي تؤهله للقيام بالمهام الصعبة والموكلة إليه ، وفي الغالب مثل هذا الشخص الذي لا غنى عنه في المؤسسة؛ نظرا لما يتمتع به من مواصفات عالية المستوى يأتي بطريقة يجبر عليها المسؤول الفاسد وبالإكراه.
وينمو هذا المسؤول الذي تربى على الحب والانتماء لوطنه ، ووصل إلى أعلى المناصب دون تدخل بشري ، وبعيدا عن الواسطة ، باعتماده على خبراته ومؤهلاته ، ويُعرف هذا الصنف بمسؤول (البعل) ، وللأسف مثله نجدهم لا يتولون المناصب إلا مرة واحدة ، أو لفترات قليلة.
وبالعودة إلى المسؤول الذي ينمو بطريقة ( السقي ) ، نجد أن المشكلة في هذا النبت غير الصالح ، حتى لو اكتشف المسؤول الأكبر فساد زرعه ، وغير ملاءمته لما زرع ، يصبح غير قادر على التخلص منه ، لأنه زرعه ، وسقاه بما يتناسب مع تطلعاته ، ويجبرنا على تحمل نتاج اختياراته السيئة والخاطئة ، لكن الطامة الكبرى؛ أن علينا أن نتحمله حتى ينتهي عصره وعصر أسياده ، أو أن يتذكره عزرائيل.
Jaradat63@yahoo.com