العبادات .. ربط بين الشعائرية والتعاملية

#العبادات .. ربط بين #الشعائرية و #التعاملية

د. هاشم غرايبه

عند المقارنة بين المنهج الديني ممثلا بالإسلام، و #المناهج_البشرية المتعددة، سواء منها التعاملية المادية كالشيوعية والرأسمالية، أوالتأملية الروحانية كالبوذية والهندوسية، نجد البون شاسعا، فالمناهج البشرية تتعامل مع أحد الأمرين فهي إما تتناول التعامل المادي المجرد وتهمل الجانب الروحاني والعلاقات الشخصية، أو العكس تركز على الشعائر التأملية ولا تتدخل في التعاملات المادية الإقتصادية والإجتماعية.
المنهج الإسلامي يربط جميع ماذكر بعدة روابط قوية ترتكز على مفهوم أنها جميعا خاضعة للإرادة الإلهية، وقد صاغها الخالق بشكل مترابط متكامل وسماها الشريعة، وبتطبيقها كاملة يتحقق الصلاح الفردي والمجتمعي، وآلية ذلك بالإنصياع الكامل للخالق أي العبادة، وبأدائها تتحقق الغاية.
الروابط القوية هي خمسة أساسية ويتفرع منها أخرى فرعية:
الأولى: الشهادتان، وتمثلان المبدأ الذي ترتكز عليه الأربعة الباقية، فشهادة أن لا إله إلا الله تعني إفراد الله بالألوهية فلا يمكن لأي ولاء لأشخاص أو أشياء أن يتقدم على التزام المرء بأوامره ونواهيه، وشهادة أن محمدا رسول الله تعني التصديق بالدين والإلتزام بالشريعة التي جاء بها، فلا يبقى بعد هاتين الشهادنتين من قناعة بما يناقضهما، وبذلك يتأهل المرء الى الحلقة الثانية من هذه الروابط .
الثانية: الصلاة، وهي العلاقة اليومية الدائمة التي لا يعطلها أي معيق، والحكمة الكبرى منها الربط الدائم بين الإنسان وخالقه (روحيا) وضبط تصرفاته بالنهي عن الفحشاء والمنكر (تعامليا).
الثالثة: الزكاة، وهي رابط موسمي متعلق بالتنظيم الإقتصادي المجتمعي، شعائريا تتمثل بتزكية النفس من الشح وخوف الفقر بأن يُقدّر بنفسه قيمة ما فاض عن حاجته خلال العام، فيخرج منه طواعية نصيبا محسوبا للمحتاجين، والذين تطيب به نفوسهم ويُزال منها الحسد والحقد على من نالوا رزقا وفيرا، أما تعامليا فيحل الوئام المجتمعي وتنعدم الحاجة الى الصراع الطبقي الذي يهدم المجتمعات.
الرابعة: الصيام، وهو رابط سنوي شهرا واحدا كل عام، روحيا فيه يثبت المرء قدرته على تحدي أقوى الغرائز البشرية، ودافعه لذلك هو إثبات التقوى أي ضبط كل تصرفاته وأفكاره بما يرضي الله، أما الجانب التعاملي فيتمثل في أنه موسم الإحسان الى الآخرين وتفقد احتياجات الفقراء، وبالتالي يزيد من الترابط والتآلف بين الطبقات المتباعدة اجتماعيا واقتصاديا.
الخامسة: وهي مرة واحدة في العمر، تمثل ذروة الإقتراب من الخالق وشكره على ما حبى به الإنسان من النعم، وهنا يمتزج العاملان الشعائري والتعاملي معا في هذه العبادة، ففي حالة التواجد في مهد الرسالة يسمو المرء روحانيا وهو يستذكر معاناة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الذين بصبرهم أنقذوا البشر من الضلال والخسران، وعندما يقف الجميع معا يرتدون لباسا موحدا لا يظهر الغني من الفقير ولا يميز الأمير من راعي الغنم، يرددون تلبية واحدة مهما اختلفت لغاتهم وأعراقهم، يدركون كيف يوحد الدين الناس فعلا إخوانا متساوين.
أما الروابط الفرعية، فهي منتج أولي لتعمق الالتزام بالدين (التدين)، وفروع من أصل إسمه التقوى، ويتمثل بصلاح السلوك التعاملي، ودلالته أن يكون خلق الفرد القرآن.
هذا هو الدين، برنامج ضابط لسلوك البشر، وليس مجرد ترف فكري بشكل شعائر ومعتقدات فردية، فلا يترك الناس فريسة للطامعين ذوي النفوذ المالي والسياسي كما يريده العلمانيون، ولا هو سيف بيد المتطرف أوالمستبد ينتقى منه ما يخدم مصلحته كما يشاء، فإن أراد استبدادا وبطشا بمن يعارضه استخرج منه أحكام تطبيق الحدود، وإن ابتغى نهبا وسلبا انتقى منه أحكام طاعة ولي الأمر.
أنزله الله للناس جميعا، لكنه لتحقيق العدالة بينهم في تكافؤ الفرص، في التنافس لنيل نعيمه الأبدي في الآخرة، لم يفرضه عليهم قسرا، بل جعله اختياريا، فلا يتبعه إلا الأخيار ولا يتنكبه إلا الأشرار، لذلك فاتباعه والالتزام بمنهجه أصبح فيصلا يحدد من هم أهل الحق فيميزهم عن أهل الباطل.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى