العام الدراسي المقبل

العام الدراسي المقبل

د. ذوقان عبيدات

العام الدراسي المقبل، بدأ منذ مدة، ولم تنتظر وزارة التربية قدومه، ويجب أن لا ينتظر أحدا هذا القدوم، لأنه بدأ فعلا، وعلينا أن نلحق به قبل أن يفوت! ما شكل هذا العام؟ وكيف نستعد له؟ ومسؤولية من؟ ومن هم شركاء الوزارة في الإعداد لهذا العام؟ أسئلة كثيرة تبحث عن إجابة على ضوء ما يأتي: إن كورونا كانت فرصة لإظهار، ضعف التعليم وفقر التعلم فما كان خفيا داخل الصفوف نشره المعلمون خارجا، وصار لدى كل مواطن فكرة دقيقة عن أداء المعلمين الأكثر مهارة! فما بالك بسائر المعلمين؟، إن كورونا أيضا فرصة لتطوير التعليم، فمن الواضح أن تعليم ما قبل كورونا، والتعليم أثناء كورونا كان ضعيفا. ولذلك علينا البحث عن تعليم جديد، يأخذ الأفضل مما كان قبل كورونا، والأفضل مما قدم في أثناء كورونا! فما هما الأفضلان؟
ما كان قبل “كورونا” : ديالوجا أم مونولوجا!!
تغنى الناس ومنهم خبراء بما كان في مدارسنا قبل “كورونا” حتى اتفقوا على أن التفاعل المباشر بين الطلبة وبين الطلبة والمعلمين. هما أفضل ما كان. إضافة إلى أن مهارات التعلم المعرفي- التي غابت في أثناء كورونا- هي ما يحتاجه طلبتنا، ولكن أسوأ ما كان هو: التلقين والحفظ والتذكر والجلوس وعدم المشاركة واحتكار الوقت من قبل المعلم، ووجود مناهج لا علاقة مباشرة لمعظمها في حياة الطلبة، وواجبات مؤلمة، ووقت طويل في التدريس وملحقاته، فالتفاعل ضروري، ولكنه قبل كورونا كان مونولوجا فرديا من قبل المعلم، وليس مونولوجا – أو عزفا جماعيا.
فالمعلم هو المخرج والممثل والجمهور: يسأل ويجيب! يتكلم ويطلب الهدوء من الآخرين! يتحرك ويطلب السكون من الجميع! فلا صوت يعلو صوت المعلم!!
ومع الاعتراف على أن التفاعل ضروري – في هذه المرحلة – إلا أن ما كان في مدارسنا ليس تفاعلا، بل صخب ولباس موحد، وبالمناسبة : كيف نتحدث عن تفاعل وقد وحدنا لباس الطلبة، وربما أشكالهم!. في ظل هذا الشكل فإن التفاعل المطلوب هو تفاعل الشركاء لا تفاعل الأشباه!.
التفاعل الحقيقي بين الطلبة: مجتمعات متعلمة، استقلال واعتماد متبادل. وقت كاف لكل طالب، وأمن كامل للطلبة، وبالمناسبة – لا يوفر ولم يوفر النظام التعليمي أي درجة من الأمن لمعظم الطلبة سواء في الجامعات أو المدارس، صراخ وتهديد وممنوعات تتناول حتى شرب الماء، وقد يتذكر بعضنا ما قاله معلم لطلابه : مسموح حفظ المادة وتنفس الأكسجين، والثاني ليس ضروريا!.
على ضوء ذلك أكرر : ترغب الوزارة بتفاعل حقيقي، ونريد منها تفاعلا يسمح للطلبة بالتعلم المتبادل والنقاش والانضمام إلى مجتمعات عمل ومجتمعات تعلم: إن هذا التفاعل يتطلب معلما ليس موجودا الآن في مدارس الحكومة على الأقل وقوانين توفر الأمن، وهي ليست موجودة في مدارس الحكومة أيضا.
فالنظام التعليمي السائد حاليا نظام متكامل يصعب تطوير جزء منه دون المساس بسائر الأجزاء!! إذن المطلوب البحث عن نظام جديد!!
هل هو التعليم عن بعد ؟ التعلم عن بعد؟ التعلم المباشر؟. التعلم الهجين؟ المدمج؟ ليس مهما الشكل بمقدار ما يجب أن يكون التفاعل ديالوجا وليس مونولوجا. وهذا يمكن أن يتم في أي شكل شريطة التخلص من عقد النظام التعليمي السائد!. فالمطلوب نظام تعليمي يسمح بالتفاعل الحقيقي والتعلم الحقيقي ! فما المقصود بالتعلم الحقيقي.
التعليم الحقيقي المطلوب
ليس سرا أن التعليم السائد هو تعليم حقائق ومعلومات وبعض المهارات المعرفية المتمركزة حول الحقائق وحفظها وتذكرها لعلها تقود إلى تحليلها وتطبيقها وإعادة بنائها !! غير أن هذا المهارات ما زالت أملا منشودا!.
طبعا إذا كنا نشيد بنظام التعليم المباشر، فما يتبادر إلى الذهن طالب متفوق تحصيليا، يحفظ ويسترجع ويثبت لمعلمه وأهله دقة وكثرة ما يحفظ!! إن الحنين أيضا إلى التعليم المباشر يعكس رغبة الأهل وبعض الخبراء أنه يعلم مهارات القراءة والكتابة والحساب، وأشياء غيرها… ! فماذا لو قامت الأجهزة الإليكترونية بتعليم هذه المهارات، أو النيابة عنهم فيها: فقد تكتب لهم وتقرأ لهم و تحسب لهم!، إذن عم نبحث من مهارات ؟ وما التعليم الحقيقي؟ هذا ما ستفاجئنا به وزارة التربية والتعليم إن نجحت خططها.
التعليم الحقيقي هو ما يقود إلى بناء خبرة المتعلم من خلال تفاعله مع المعلومة والحقيقة ليكون قادرا على استخلاص المعنى وفهم المدلولات واكتشاف قواعد الأحداث ومبادئها!.
فما شكل التعليم الذي يحقق التعلم؟ هل هو التعليم المباشر ؟ بالتأكيد نعم ولا! نعم إذا تطور. ولا إن بقي كما هو! ولذلك يجب أن تكون دعوتنا : ليس عودة التعليم الوجاهي بل تطوير التعليم الوجاهي أو تقديم وتطوير نموذج للتعليم يحقق التعلم المنشود سواء كان وجاهيا أو عن بعد أو هجينا!.
شكل العام المقبل
بحدود توقعاتي – لا معلوماتي – وبحدود تحليلي للأزمة التعليمية فإنني أقول: لم يغب عن بال وزارة التربية والتعليم ومسؤوليتها أنها هي من تتحمل المسؤولية، يشاركها في ذلك المجتمع بخبرائه ومؤسساته الفاعلة، فالوزارة وطنية والحل وطني. وبحدود ثقتي وخبرتي السابقة في وزارة التربية، فإنني أتوقع أن تكون الوزارة شعلة نشاط وعمل ناتجة عن مسؤولية وقلق وأمانة!.
سمعت واطلعت على أولويات الوزارة الحالية وعناوينها الرئيسة: كيف أقدم تعليما يخلو من الضعف الذي ظهر في منصة درسك؟، ما شكل التعليم الملائم لهذه المرحلة : “كورونا” وما بعد “كورونا”؟، ماذا يحتاج الطلبة من مناهجنا وكتبنا؟.
ليس من السهل الإجابة عن هذه الأسئلة. ولكن ما أعرفه أن وزارة التربية – بوزيرها المتحمس- تفكر في تطوير أدائها: في الشكلين : عن بعد وعن قرب. وقد تبتكر بمساعدة خبرائها نظاما جديدا يسمح لكل الطلبة بالوصول إلى تعلم تفاعلي حقيقي. فالعقبات المادية والمالية لم تمنعها من تقديم هذا التعليم المطلوب!
“كورونا” إن استمرت أو زالت، فجهد الوزارة منصب – ويجب أن ينصب على تأدية رسالتها في التعليم الجيد. ومتطلبات نجاحها هي في كسبها للرأي العام وتوضيح نفسها أمام جمهور غاضب يريد فتح المدارس- ولو بأثمان عالية – والمطلوب من هذا الجمهور أن يثق في اهتمامات الوزارة بهذا. وأن يدعمها بالخبرة والمشورة والدعم!!
ملاحظة: لا أدري لماذا لا يتبرع المجتمع بتغطية نفقات المتطلبات الإلكترونية للتعليم. بدلا من التباكي على من لا يمتلكون الأجهزة؟.

*خبير تربوي

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى