ذكريات من الماضي تصب في قوانين التقاعد – 2

ذكريات من الماضي تصب في قوانين التقاعد – 2
موسى العدوان

لكي أبين لبعض المعلقين على مقالي السابق، الذين يدّعون بأن الخدمة العسكرية والخدمة المدنية هما خدمة وطن متساويتان ولا فرق بينهما، ويجب التعامل معهما بنفس المقياس خاصة في راتب التقاعد، سأورد القصتين التاليتين، ليس من باب التفاخر أو اجترار الماضي، بل لإبراز الحقائق التي لا يعرفها الكثيرون.

1. القصة الأولى :

أ. في عام 1965 كنت برتبة ملازم أول مساعدا لقائد سرية، اسمه فالح الحويطي ويحمل رتبة نقيب في كتيبة الأمير عبد الله الآلية الأولى. خرجت سرايا الكتيبة الثلاث للمناورة السنوية، في صحراء حمرا حمد غربي واحة الأزرق. من ضمن تنظيم السرية كان هناك قسم هاون ( مدفعين3,5 بوصة ) وقسم مقاومة دبابات ( مدفعين 106 ملم ). كان هناك تنافس شديد بين السرايا الثلاث، أيها ينفذ الواجبات المفترضة بأعلى درجة من الكفاءة. وفي إحدى تمارين الهجوم وللحرص على قيام سريتي بتنفيذ هجومها بأعلى درجة من الكفاءة، ذهبت إلى قسم الهاون لأحث طاقمه ( 8 أفراد ) على تركيز الرماية على الهدف الذي يبعد عن الموقع مسافة 3 كيلومترات.

ب. كنت أقف على بعد بضع خطوات من قسم المدافع، وكان بعض أفراد طواقمها من الجنود الأحداث بعد إنهائهم لدورة تدريبية على تلك المدافع. وما أن بدأ القسم ينفذ برنامج الرماية التمهيدية، إلا وأحد الجنود يلقّم مدفع الهاون بقنبلة مقلوبة، أي الرأس المتفجر إلى الأسفل والفراش إلى الأعلى. فما كان من الجندي الأول حسين الدعجة، إلا أن التقط القنبلة من الطرف الأخير للفراش، وأخرجها من فوهة المدفع قبل أن تستقر على مسمار القاعدة وتتفجر. ولو تفجرت تلك القنبلة داخل المدفع لتحولت هي والمدفع إلى مئات الشظايا وقضت على جميع من كان في الموقع بما فيهم حضرتي.

2. القصة الثانية :

أ. في يوم 6 حزيران 1967 كنت قائدا للسرية الثانية من كتيبة الأمير عبد الله وملحقا مع كتيبة الدبابات الرابعة من اللواء المدرع 40. وكنا منتشرين بين أشجار الزيتون في قرية الكفير قضاء جنين، مكلفين بالاستعداد للقيام بالهجوم المعاكس على القوات الإسرائيلية، عند وصولها إلى مثلث الشهداء. ولكن طائرات المستير الإسرائيلية اكتشفت وجودنا هناك، وبدون دفاع جوي وغياب الطائرات المصرية الموعودة لتأمين الغطاء الجوي لنا في المنطقة، راحت تقذف حممها علينا وتلقي براميل النابالم لتحرق الشجر والبشر الذي تصيبه.

ب. نتيجة للقصف الجوي دُمّر العديد من المجنزرات والدبابات في الموقع، وحاولت استخدام رشاش ال500 المركب على الناقلة لمقاومة الطائرات المغيرة، ولكن لكون حركته مقيدة بجسم الناقلة لم يؤدي الغاية المطلوبة. كنت أشاهد الطيار الإسرائيلي في غرفة الطائرة بالعين المجردة، نظرا لانخفاض تلك الطائرات المهاجمة، لعدم توفر أسلحة دفاع جوي فعالة. ولهذا أخذت رشاشا متحركا وصعدت على ظهر مجنزرة، كان يعمل على رشاشها أل 500 جندي أول اسمه فالح خلف، ورحت أقاوم الطائرة كلما حاولت الإغارة علينا ولكن دون تأثير يذكر. شاهدني الطيار في محاولاتي غير الموفقة فقرر أن يعاقبني، فعاود الهجوم من جديد وأسقط علي برميل من النابالم.

ج. عندما شاهد أن القذيفة ستسقط علي قفزت من ظهر الناقلة إلى الأرض، فانفجرت القذيفة في مكاني على ظهر المجنزرة، ولكن اللهب انتشر على شكل قبة ولم يصبني أذى كوني كنت تحت قبة النار بجانب المجنزرة. ولكن الجندي الأول فالح اشتعلت به النار به كما تشتعل بعصفور، وخرج راكضا من المجنزة حيث ممدناه على الأرض وعملنا على إطفاءه بالتراب، حيث تشوه وجهه وشعر رأسه ولكن كتبت له السلامة. وهناك قصص أخرى قد أتمكن من سرد بعضها في وقت لاحق.

* السؤال الآن لمن يقول : كلها خدمة وطن لا فرق بينها ؟ فهل هذه الخدمة وما تبعها من مخاطر ومعاناة، تعادل أي خدمة مدنية أو خدمة وزير لبضعة أشهر أو حتى سبع سنوات ؟ وهل من العدل أن يتقاضى الوزير راتبا تقاعديا يبلغ أضعاف نظيره العسكري، مع الفارق في مدة الخدمة وطبيعتها القاسية ؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى