الطلاق بين الإخوان والأمريكان
توجُّه الولايات المتحدة إلى اعتبار جماعة الإخوان المسلمين منظمة ”إرهابية“، لا يستهدف الجماعة، بقدر ما يستهدف الدول الحاضنة أو المضيفة لها.
وتاريخ الولايات المتحدة حافل بالتجارب التي كانت فيها مواقف واشنطن من تنظيمات سياسية أو عسكرية مقدمة لمواجهات مع الدول التي نشأت فيها تلك التنظيمات، أو لممارسة ضغوط سياسية ومالية على الدول التي وفَّرت مناخًا لنموها ومهَّدت لاتساع تأثيرها.
وهناك أمثلة عديدة لتنظيمات سياسية أو مسلحة – صُنّفت على أنها تنظيمات إرهابية – كانت سببًا في حروب خاضتها واشنطن مع الدول الحاضنة لها والداعمة لنشاطاتها، وفي هذا المجال فإن أفغانستان أقرب وأوضح مثال على ذلك.
استهداف الولايات المتحدة لجماعة الإخوان، يشكل حلقة مفصلية، وقد تكون حاسمة في مواجهتها مع فصائل الإسلام السياسي، فواشنطن التي كانت لها علاقات تاريخية وثيقة مع جماعة الإخوان منذ إنشائها وحتى نهاية مرحلة المد القومي والناصري تحديدًا، تعلم أكثر من غيرها أن هذه الجماعة تجاوزت دورها التنظيمي السياسي والحزبي الخاص بها، لتشكل -في مراحل مختلفة- البيئة التي فرَّخت فيها معظم الجماعات الإسلامية المسلحة، وكانت أداة من الأدوات التي حاربت بها الولايات المتحدة خصومَها في المنطقة.
ولعلَّ أبرز مثال على ذلك الدور الذي لعبته الجماعة في أفغانستان حيث شكلت جسر إمداد لوجستي وخلية تثقيف إيدولوجي للمجاهدين الأفغان الذين تعاونوا مع واشنطن إبان الغزو السوفيتي لأفغانستان في إطار الحرب الباردة التي كانت سائدة في ذلك الوقت.
بل إن تلك العلاقة كانت أداةً من أدوات الفوضى الخلاقة التي استخدمتها الولايات المتحدة لِتَحْرف من خلالها وبواسطتها ثوارات الربيع العربي عن مساراتها مخلفةً كوارثَ وخسائرَ لا تزال ليبيا وسوريا من أسطع الأمثلة عليها.
ويبدو أن واشنطن بصدد إسدال الستار على الفصل الأخير في علاقاتها بالإخوان، وهي عندما تعلن نيتها تصنيف الجماعة كجماعة إرهابية تصل إلى مرحلة الطلاق معها، بعد أن اقتنعت واشنطن أن الاستقواء بالدين لم يعد مفيدًا لإستراتيجيتها في المنطقة، وأن جماعة الإخوان بتركيبتها الحالية وأساليبها لم تعد مقبولة كجزء من النسيج السياسي للمنطقة، وأنها باتت عامل عرقلة للجهود المبذولة لإنجاز التحولات الاجتماعية والسياسية في الإقليم.
وإذا ما نفذت الولايات المتحدة قرارها، فإن الجماعة التي تعد الآن من أبرزالتحديات التي تواجهها دول المنطقة ستفقد الكثير من قدراتها السياسية واللوجستية، وقد تتحول مع الوقت لواحدة من القوى السياسية الهامشية التي فقدت الجمهور والتأثير.
لكن فرصة الولايات المتحدة في تمرير رؤيتها بشأن جماعة الإخوان، لن تكون سهلة . فإلى جانب التاريخ الراسخ للجماعة في العالم الإسلامي، والذي قد يعيق ويعقد أي إجراءات عقابية تتخذها الإدارة الأمريكية بحقها، فإن لهذه الجماعة أذرعًا مالية وعسكرية لا يستهان بها، كما أنها تحظى بدعم قوى مؤثرة في المنطقة مثل: تركيا، وماليزيا، وقطر التي لا تخفي دعمها للجماعة واحتضانها لرموزها الحزبية والإعلامية.
ولا تمنع هذه العقبات والتحديات وجود فرصة حقيقية تجعل للتهديد الأمريكي بعدًا فعليًّا، فهذا التهديد يأتي في وقت أخذت فيه دول عربية وإسلامية مواقف حاسمة تجاه الجماعة بتصنيفها جماعة ”إرهابية“ واعتبارها خارجة على القانون.
وأبرز هذه الدول هي: السعودية، ومصر، والإمارات، التي تشكل مجتمعة ثقلًا وازنًا في القرار السياسي الإقليمي، فضلًا عن أن لهذه الدول مكانة سياسية ودينية تجعل أي مزايدة لمنع أو عرقلة الخطوة الأمريكية المنتظرة عملية عقيمة وغير مجدية .
كما أن الخطوة الأمريكية قد تشجع بعض الدول الإسلامية المترددة في حسم موقفها من الإخوان، وقد نجد أن مقاطعة الولايات المتحدة تمهّد الطريق لمحاصرة النشاط الإخواني خاصة في الدول التي لا يزال المجال السياسي فيها مفتوحًا لهم، ومتاحًا لتنظيمهم .
وحتى لو لم تتخذ هذه الدول خطواتٍ مماثلة للخطوة الأمريكية المتوقعة، فإنها ستجد في الإجراءات العقابية الأمريكية مجالًا واسعًا للتضييق على نشاط الجماعة ودورها دون أن تضطر للقيام بإجراءات استثنائية غير مهيأة لها.