الطبيعة البشرية / موسى العدوان

الطبيعة البشرية

يقول ابن خلدون : ” إن التنازع عنصر أساسي من عناصر الطبيعة البشرية. فكل إنسان يحب الرئاسة، وهو لا يتردد عن التنازع والتنافس في سبيلها، إذا وجد في نفسه القدرة على ذلك “. ويقول الدكتور علي الوردي :

” إن هذا الرأي أصبح الآن محورا لكثير من النظريات التي جاء بها علماء الاجتماع، وهناك مدرسة قائمة بذاتها تأخذ تعاليمها من نظرية هذا المفكر العظيم. وأضاف بأن طبيعة التنازع والتحاسد والتنافس صفة لازمة في الإنسان لا خلاص منها، ولا فرق في ذلك بين العالِم والجاهل أو بين الفاضل والسافل.

ولا ننكر أن يكون هناك فرق ظاهري بين العالِم والجاهل في هذا الأمر. فالجاهل يتنازع ويتكالب ولكنه لا يستر عمله هذا بستار من التأويل والتسويغ، يده على خنجره في بطن خصمه. أما العالِم فهو يسمو عن ذلك في الظاهر. أنه يبغض منافسه ويحقد عليه ويود القضاء عليه، ولكنه لا يعلن هذا البغض إعلانا مباشرا، بل هو يخفيه تحت ستار من الأحاديث والآيات، أو يرفع من حب الوطن ومصلحة الأمة.

مقالات ذات صلة

لقد أخطأ أرسطو طاليس عندما قال : ” الإنسان مدنيّ بالطبع “، والصحيح : أن الإنسان وحشيّ بالطبع ومدني بالتطبيع. فهو مهما تظاهر باللطف والمجاملة وتباهى بترديد الأفكار السامية والمثل العليا، حيوان مفترس في أعماق نفسه. وما هذه المظاهر التي انخدع بها المفكرون القدماء، إلا غطاء يستر بها الإنسان طبيعته الأصلية. وما أن تتحرش به وتهدد شيئا من مصلحته أو منزلته أو شهرته، حتى تراه قد تنمر عليك وكشر عن أنياب الخصومة كما يكشر الكلب العقور.

أما صموئيل بتلر فيصف الحياة الاجتماعية بأنها عبارة عن خيط وسكين. فالخيط يريط الناس بعضهم ببعض، والسكين تقطع الرباط بينهم. ومعنى هذا أن المجتمع البشري لا يمكن أن يخلو من تنازع كما لا يمكن أن يخلو من تعاون. كلا الأمرين متلازمين في حياة الناس. ولا يمكن أن يظهر أحدهما إلا ويظهر الآخر معه ليحدّ منه ويتمم وجوده. إن التنازع والتعاون هما دعامتا الاجتماع البشري، وقد اتضح لدى علماء النفس بأن الحب والبغض متلازمان في النفس كتلازم التعاون والتنازع في المجتمع.

ولا يمكن أن تقوم جماعة بشرية إلا ويكون حافز التنازع كامنا فيها. فالعائلة التي تعد نموذجا للتآخي بين الأفراد، تراها لا تخلو من تنازع رغم ذلك. ولا تكاد تمر فترة من الزمن على عائلة من العائلات، حتى تسمع صراع الخصام قد ارتفع من بين جدران بيتها. وكثيرا ما يكون الأقارب كالعقارب، كما يقول المثل الدارج “. انتهى الاقتباس.

* * *

التعليق :
ويزداد التشاحن والتباغض وحتى القطيعة، إذا دخلت المصلحة الذاتية في الموضوع، فيتناسى الأخ أخيه أو من أحس إليه في أول مناسبة، إذا توهم ذلك الأخ أن فعلا معينا مهما كان بسيطا أو عفويا من أخيه أو صديقه، يؤثر على مصلحته الشخصية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى