الطاهر المصري :ـ الانفتاح و الإصلاح !
محاضرة المصري المثيرة،اثارت عاصفة من الاسئلة،لانها تخطت مألوف ” الحكواتية” السذج و الكتابات الانشائية الهزيلة الهزلية.احرجت المحاضرة، دعاة “التحليل الاستراتيجي” الذين يضربون بالرمل ويفتحون بالفنجان،وتجاوزت خلط المتشدقين المقبوح من “عواجيز الحفاظات” المنتهية صلاحياتهم زمناً وفكرا،وفضحت سقط الكلام من كلامهم المتساقط كالنشارة المتطايرة و نخالة لغوهم المستعمل في صناعة العلف الرديء. لا اكتب عن رجل بصفته كان ” دولة الرئيس ” فهذا لا يعنيني و لا ” صاحب قداسة ” ذلك لا يهمني.لا قداسة في السياسة.قداسة السياسي تكون بان يكون في صف الناس، يحس باوجاعهم ويحمل تطلعاتهم.انظر للطاهر المصري كإنسان تعيش فلسطين في اوسع حجرات قلبه،تنام معه على سريره،تطارده في نومه ككابوس يؤرقه خوفاً من ضياع آتٍ لا محالة،ان بقيت حالتنا على هذي الحالة وترافقه كظله كحلم تحرير يعشعش في وجدان مؤمن بعروبة فلسطين منذ ان خلق الله الخلق وحتى يرث الله الارض.مستدعياً من الذاكرة العميقة ما قاله لي المرحوم ـ باذن الله ـ الاستاذ حسين مجلي ذات وجع :ـ ( ابو نشأت من انقى ما عرفت).
في محاضرته تطايرت الشرر من كلماته،فاشعلت حرائق نقاشية.طرح التاريخ خلالها وقام بتحليل احداثه للتحذير من صفقة قرن مآلآتها تصفية فلسطين و خلخلة الاردن. في لغة قلما يجرؤ سياسي قولها :ـ ” لم تعد لدينا في الاردن مفاتيح سياسية واقتصادية “. فقلبت الموازين،بددت الظلمة،ازالت الغشاوة، غربلت القمح عن” الزوان”،ورغم قسوة المكاشفة،نفخت الحياة في الروح الوطنية لمواجهة ” الصفقة النكبة “.كما انها دعوة مساندة للقيادة الرازحة تحت ضغوط هائلة،تعزيزاً لصمودها،وخوفاً عليها من الانزلاق بأي خطأ تاريخي،يقابل الدعوة الجماهيرية، دعوة القيادة للعودة الى الشارع لبناء سد منيع بوجه الصفقة اللعنة.فلا يحمي الدولة الا رجالها و لا يحرث البلاد غير عجولها.ولنا في تركيا مثلاً ،عندما دفع الانقلابيون دباباتهم الى الشوارع للانقضاض على الشرعية،نزلت الحشود الشعبية لمواجهتم بصدور عارية،مكبرة بـ ـ الله اكبر ـ .سقط الانقلاب في سويعات لان بايدي الشعب مفاتيح المعجزة.
القضية الفلسطينية اعقد قضايا التاريخ لانها ليست احتلال ارض بل احلال شعب مكان آخر،نتج عنه تدمير قرى ومسح اخرى ، قتل الآف المدنيين،تهجير الملايين،تلاعب بالجغرافيا و الديمغرافيا لخلق واقع جديد،، تمثل بخلع اشجار الزيتون المعمرة من اراضي الفلسطينيين ونقلها الى مزارع المستوطنيين لاثباث اقدمية كاذبة،سرقة المأكولات العربية و الزي الفلسطيني للايحاء بتاريخ عريق لان المشروع الاسرائيلي قائم على التزوير،لكنه للاسف يسير بخطىً سياسية وعسكرية مدروسة منذ ان كان فكرة في راس هرتزل الى الصفقة الملعونة.
سُئل رئيس وزراء ايطاليا في ستينيات القرن الماضي،وكان داهية قومه، ايام المد القومي بزعامة الراحل عبد الناصر و بن غوريون رئيساً لوزراء اسرائيل :ـ لو اجتمع الرئيسان هل بمقدورهما إيجاد حل للقضية الفلسطينية ؟!. اجاب بـ ” لا كبيرة ” ،فسُئل عن السبب، فاجاب:ـ فلسطين اكبر من ناصر وبن غوريون رغم مكانتهما.فالصراع بين مشروعين عربي صهيوني.بن غوريون من الآباء المؤسسين لاسرائيل قال ذات مرة:ـ لو كنت زعيماً عربياً لن اوقع اتفاقاً مع اسرائيل ابداً.ورفع شعار :ـ لا معنى لإسرائيل دون القدس ولا معنى للقدس دون الهيكل،الا انه رغم ثقته بمشروعه يقابل وهن عربي مقلق،كان يعيش في خوف مقيم من فكرة تطن في راسه :ـ ماذا لو قام بين العرب زعيم مثل كمال اتاتورك يلم شعثهم ويوحد صفوفهم ؟!. ماذا سيبقى من اسرائيل؟!.لذلك حُرِمَ على العرب الوحدة وظهور زعيم تُجمع عليه الامه،و تسير خلفه لتحرير الانسان من استبداد انظمته و فلسطين من الصهاينة ؟!.
القضية الفلسطينية ازدادت سوءاً،بعد هزيمة 67 المنكرة،ووصلت الحضيض بتوقيع معاهدات كامب ديفيد،اوسلو،وادي عربة،لكننا لم نتخيل ان نصل الى صفقة القرن،لتصبح مفاتيح السياسة والاقتصاد بايدي غيرنا، فيما دورنا مجرد الجلوس على مقاعد المتفرجين بانتظار املآءات الآخرين،وتبلغ القضية ذروة المسخرة بان يقودها وبولى امرها ” الغلام كوشنر” ،ويُحّولها الى قضية عقارية تُباع وتُشترى كانها شقة مفروشة و ذروة الاهانة ( الدفع باموال العربان انفسهم)…كوميديا سوداء تمت صياغتها باللغة العبرية في تل ابيب باشراف نتنياهو،و اخراج السفير الامريكي فريدمان و تسويق “زوج الست ايفانكا ” المهووس بالهدايا العربية وعمولاتهم السخية…تصوروا الى هذا المدى بلغوا سخرية منا وتسخيراً لنا.
بين اطنان الكلام المتناثرة هنا وهناك وانهار الحبر المراقة عن مآلآت القضية،ننتقي عبارة موجزة واحدة :ـ ان المعايير الوطنية والسياسية تستدعي من القيادة الانفتاح الكلي على شعبها ومكاشفة شفيفة لا تترك ذرة قابلة للشك،فالتاريخ لم تعد احداثه تدور في قلاع محصنة ومعرفة بواطنه لم يعد قاصراً على الحلقة الضيقة بل اصبحت متاحة بنقرة.الصحافة الاجنبية والتسريبات المقصودة والوثائق المنثورة، كفيلة بكشف ادق التفاصيل،ففي الازمات الحادة، كصفقة القرن يتلقف الناس الكلمة الصادقة مثلما يقبض الغريق قشة النجاة ” فلتأتِ المعلومة من رأس النبع حتى يكون الشعب في الصورة الحقيقة،فمهما كانت اوضاعه سيئة فانه يملك قوة تأثير مذهلة على الاحداث وقدرة اعجازية على التحكم بها و الا سيخرج للشارع شاهراً حنجرته لا لإسقاط الصفقة فحسب بل للمطالبة بحقوقه ومحاكمة النخبة