الطالب والمعلم:البحث عن شكل العلاقة! / شروق جعفر طومار

الطالب والمعلم:البحث عن شكل العلاقة!
شروق جعفر طومار

تحت عنوان “طالب أردني ينتقم من سيارة معلمه”، تناقل عدد من المواقع الإخبارية خلال اليومين الماضيين فيديو يُظهر فتى يحمل على ظهره حقيبة مدرسية ويحاول تحطيم زجاج سيارة قيل أنها لمعلمه بواسطة قذفها بالحجارة.

إن صح ما تم تداوله في الخبر، فإننا بلا شك أمام نموذج يستوجب التوقف عنده والنظر ملياً في الأسباب التي أدت إلى تشكله. فكمية الغضب والرغبة الجامحة في الانتقام التي تظهر من خلال إقدام الطالب على فعلته والإصرار عليها بتكرار المحاولة اكثر من مرة لا يمكن أن تكون مجرد عبث طفولي.
كما أن الحادثة تختلف كليا عن أعمال الفوضى والشغب الجماعي التي شهدناها بين الفينة والأخرى في أروقة المدارس وساحاتها. فالطالب هنا كان بمفرده، وعلى الأرجح فإنه كان يعتقد ان أحدا لن يراه ولم يخطر بباله ربما بأن ما يفعله سيسجل من خلال كاميرة مراقبة موجودة بالصدفة في المكان.

حدث كهذا يجب أن لا يتم القفز عنه دون البحث في الأسباب التي دفعت الطالب لفعلته، وفي الظروف التي يعيشها الطالب والتي من الممكن أنها جعلته يبرر لنفسه القيام بذلك.
من دون شك وأيا كان الدافع لمثل هذا الفعل، لابد وأن هناك خلل في الآلية التي تربى بها هذا الفتى ومن الممكن أيضا أنه يعيش ضمن ظروف اجتماعية ليست صحية أدت إلى اختلال المفاهيم والقيم لديه.

مقالات ذات صلة

في الوقت نفسه، فإن الرغبة في الانتقام من المعلم بكل هذا الحنق والغضب يستلزم البحث في شكل العلاقة بين هذا الطالب ومعلمه، والسؤال عن الأذى الذي تسبب فيه المعلم للطالب، او سلوك المعلم الذي فمه الطالب على أنه إساءة كبيره إلى هذا الحد، وهل هذا السلوك متعمدا ام ان الفهم الخاطئ لدى الطالب هو ما سبب لديه هذا الشعور؟

الكثير من الأسئلة يجب أن تسأل، وأن لا تتوقف عند هذه الحالة الفردية، وانما من الواجب أن تفتح بابا واسعاً للبحث ملياً في علاقة الأستاذ بطالبه في المؤسسة التعليمية بشكل عام.

فالمتتبع لأحاديث طلبة المدارس يلمس في الكثير منها وجود حالة من العداء والندية بين الطالب وأستاذه ، وفي أحيان كثيرة يتحدث الطلبة عن ممارسات سلبية من الأساتذة تجاه طلبتهم، يصل بعضها إلى توجيه الشتائم والألفاظ النابية للطلبة بشكل جماعي، أو لطالب أو اكثر أمام بقية زملائهم.

لا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير فعل الانتقام التخريبي من الطلبة، وليس من العدل أيضا تحميل المسؤولية الكاملة للمعلم الذي يتعرض هو الآخر لضغط هائل نتيجة ظروف عديدة، من أهمها ضياع الهيبة الاجتماعية للمعلم بشكل عام، والاوضاع المادية السيئة جراء انخفاض رواتب المعلمين، إضافة لمشكلة الاكتظاظ المدرسي التي تشكو منها معظم مدارس المملكة، ناهيك عن أن هذا المعلم هو نتاج نفس هذه العملية التربوية غير المرضية، وبالتالي فهو يعيد إنتاج النماذج التي تربى وتتلمذ على يديها وبنفس المفاهيم المشوهة.

لم يحظ الخبر المذكور باهتمام كافٍ على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وربما ما كنا سنعلم به لولا الصدفة بوجود كاميرا في المكان، أما وقد وصل الفيديو إلينا فإننا الآن جميعاً، أولياء أمور ومختصين وتربويين ورسميين، مطالبين بالتفتيش عن كثب عن أسباب وقوع هذا الحادث وفهمها فهما دقيقا، والبحث عن سبل شمولية لمعالجتها لدى هذا الفتى وللوقاية منها لدى غيره.

إذا كنا معنيين حقا بحماية المنظومة الأخلاقية والاسهام في ترميم جزء من الخراب الذي أصاب العملية التربوية والتعليمية، فعلينا أن نكف عن سلبيتنا، وأن نبدأ فعليا بتعلم الدروس من التجارب والأحداث بطريقة وقائية احترازية، وعدم انتظار تحول الحوادث الفردية إلى ظواهر عامة ومشكلات معقدة لنبدأ حينها بالتفكير بإيجاد الحلول بعد فوات الأوان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى