الضياع العربي : خيار ذاتي أم واقع مفروض

الضياع العربي : خيار ذاتي أم واقع مفروض

بقلم : د. لبيب قمحاوي
22/06/2022
lkamhawi@cessco.com

كيفما أدار #المواطن وجهه كل صباح، يجد نفسه ملفوفاً في عباءة تلو عباءة من #المشاكل والتحديات التي ترافقه طيلة النهار الى أن يحضن وسادة المساء ليستيقظ صباح اليوم التالي على ما نام عليه في يومه السابق وهكذا . #الضياع وما يرافقه من #بؤس ويأس وغضب أصبح سمة النهار، و #القلق و #الاحباط سمة الليل، وإكتوى المواطن بنار النهار وجحيم الليل دون أمل حقيقي في تغير واقع الحال . ولكن ليت الأمور وقفت عند ذلك ؟
لقد خرج #المواطن_العربي من عباءة الدولة ليدخل قفصها، ويتحول من مواطن له حقوق وعليه واجبات، الى عامل لدى الدولة يسعى الى البقاء على قيد الحياة حتى يتمكن من خدمة الدولة بعد أن استباحت الأنظمة كل الحقوق والضوابط والقوانين والتشريعات والمؤسسات . وتحولت الدولة الى جَلاَّد، ومواطنيها الى عبيد، في ظل وضع جائر لا يأبه بمعاناة المواطن من منطلق أن حق الدولة في الجباية يأتي أولا وقبل أي حق للمواطن ضمن نظام من الغرامات والفوائد يفوق الربا الذي حرمه الله بمراحل ويجعل حياة المواطن رهينة في يد دولة يديرها الفساد ويتحكم بها بما يتوافق ومصالحه دون توفر القدرة القانونية للمواطن للاعتراض على الظلم المرافق لنهج الجباية مما يُدخل المواطن في نفق مظلم لا يعلم نهايته أحد . ويبقى السؤال فيما إذا انتقل العرب من مواطنين في دولة القانون العصرية الى مواطنين في دولة الجباية على الطراز الاقطاعي العثماني ؟ هل المظلة الأمنية بأشكالها المختلفة هي لحماية الدولة والنظام العام أم لحماية نظام الجباية الاقطاعي المكلل بالفساد؟
من أجل مَنْ تناضل الشعوب ؟ هل تناضل عبثاً سواء ضد حكم جائر أم دفاعاً عن معارضةٍ بليدةٍ تحتضر؟ هل وصلت الأمور الى حد طلب الخلاص مما نحن فيه أو مقبلون عليه حتى ولو كان ذلك بارتكاب معصية الانتحار أو النحر ؟؟
الحاكم العربي أصبح الآن محور كل شئ . لقد أصبح هو البداية وهو النهاية، وكل شئ في الدولة يتشكل كما يشاء ويريد . هو من يصنع رجال الحكم والحكومات بشكل مباشر، وهو من يصنع قادة المعارضة حتى وان كان ذلك بشكل غير مباشر . الدولة أصبحت تجسيداً للحاكم العربي وفي خدمته ورهن اشارته وإرادته . وإرادة الحكام العرب أصبحت في واقعها التجسيد الوحيد والحقيقي لارادة ما يقارب المائتي مليون عربي . أحلام أولئك الحكام أصبحت هي أحلام شعوبهم، ورغباتهم هي رغبات شعوبهم، وما يغضبهم هو ما يغضب شعوبهم وما يرضيهم يرضي شعوبهم . وعندما يصافحوا العدو، على شعوبهم أن تصفق، وعندما يسرقوا شعوبهم، فإن الحاكم لا يسرق بل يأخذ من ُحرّ مالِهِ لأن الأرض وما عليها هي ملك للحاكم، والشعوب هي عبارة عن مقيمين على الأرض برضى الحاكم وارادته فقط وليس كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات .
من المفروض أن تؤدى السيطرة على مقدرات الأمور في أي بلد الى تولد إحساساً بالمسؤولية المرتبطة بتطور ورخاء الدولة والشعب وليس كما هو الحال الآن باقتصار ذلك الرخاء على الحاكم وأعوانه . فأية خطة للتطوير السياسي لا يمكن أن تنجح دون حريات حقيقية وضمانات دستورية فاعله وسطوة القانون على مجريات الأمور بطريقة شفافة وعادلة تنطبق على الجميع بدرجة متساوية . كما أن أية خطة للتطوير الاقتصادي لايمكن أن تنجح دون القضاء على الفساد وسياسة الجباية المرتبطة به وقناعة المستثمر بسيادة القانون وشفافيته وعدالة تطبيقه، بالإضافة إلى استقرار التشريعات الاقتصادية الحاضنة للإصلاح والتطوير الاقتصادي وعدم السماح للمؤسسات الأمنية أو مؤسسة الفساد بالتغول على الاقتصاد .
وقد رافق كل ذلك التسلط والجبروت والفساد المستشري جهداً عربياً رسمياً حثيثاً لتحويل معظم قضايا الأمة مثل القضية الفلسطينية والتنمية والتكامل الاقتصادي العربي وترابط الأمن القومي العربي، الى قضايا تثير تأفف معظم الأنظمة العربية كونها تَذكّرَهُم بفشلهم وقصورهم، متناسين مثلاً أن الشعب العربي الفلسطيني هو شعب حي، والشعوب الحية قد ُتفْرَضْ عليها الاستكانة بين فترة وأخرى أو لسبب أو لآخر، ولكنها مع ذلك لا تذوى ولا تموت ولكنها بالنتيجة تنتفض على نفسها وواقعها البائس المفروض عليها سواء من الغريب أو من القريب، وهكذا باقي قضايا الأمة .
الأماني والأحلام كبديل للواقع والانجاز هي خيارات غالباً ما ترافق عهود الانحطاط والافلاس الوطني العام وتراكم الخسائر والهزائم السياسية النفسية والمعنوية والى الحد الذي يدفع البشر الى الغوص في متاهات الخيال والاحلام بعد الافتقار الى القدرة على الانجاز الحقيقي وكبديل له . تاريخ الشعوب هي عملية تراكمية ولكن انجازاتها هي ومضات تضئ هذه الحقبة أو تلك من تاريخ هذا الشعب أو ذاك . والشعب الفلسطيني ليس استثناء من كل ذلك، ولكن الانجاز الحقيقي يبقى هو المقياس لفعالية وجدية القدرة على الانجاز لأي شعب .
من سيرث العالم هذا العربي المريض الى حد الاحتضار ؟ القوى الدولية غير مهتمة إلاّ بما يحفظ مصالحها وبأقل تكلفة ممكنة . أما القوى الاقليمية المتمثلة بإسرائيل وتركيا وايران فهي صاحبة المصلحة المباشرة في وراثة ذلك الجسم العربي المحتضر واحتلاله والسيطرة عليه بأي شكل وحجم وطريقة تسمح بها الظروف دون أي إعتبار لمصالح الشعوب العربية والتي جرى تمزيق وتدمير معظمها في العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان ناهيك عن فلسطين .

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى