“الدولة الإسلامية” تشعل حرب “الجنة والنار” بين العائلات السنية في العراق .. شقيقٌ أعدم شقيقه في الموصل

سواليف

في الأيام التي سبقت اقتحام القوات العراقية لمدينة الفلوجة، كان اللواء هادي رزيج، أحد قادة الشرطة السنة البارزين في العملية، يجلس في أحد المنازل المهجورة بالقرب من الجبهة الأمامية، حيث يصف قوات “داعش” التي بانتظارهم بأنها قوة منظمة من مئات الجهاديين الذين أعدوا أنفسهم على مدار شهور.

تواجد رزيج في أرض المعركة يؤكد أن سنة العراق أيضاً، بجانب الشيعة المسيطرين على السياسة العراقية، يقاتلون من أجل تحرير بلادهم، وهو ما هدّأ أيضاً المخاوف من أن تأخذ معركة الفلوجة منحىً طائفياً.

كان رزيج هادئاً بينما تناول الحديث عن التحديات في المعركة، إلا أن هذا القتال كان شخصياً بالنسبة له أيضاً، فشقيقه متهم بالانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية، وهو سجين حالياً بعدما ألقي القبض عليه في إحدى نقاط التفتيش مع سيارة مليئة بالمتفجرات.

ليس الوحيد

شمال العراق، يعمل نوفل حمادي، محافظ الموصل الهارب منها، مع الولايات المتحدة على وضع خطة لتحرير المدينة من تنظيم الدولة الإسلامية. أحد أفراد أسرة نوفل أيضاً يشارك في تلك المعركة، فشقيقه هو أحد مسئولي تنظيم الدولة الإسلامية، وقد ظهر في تسجيل مصور يعلن البيعة للتنظيم وتبرؤه من أخيه.

ربما يظل السؤال الأساسي في العراق بلا إجابة، حول ما إذا كان من الممكن للأقلية السنية والأغلبية الشيعية في البلاد التعايش بسلام في دولة واحدة، حيث تضيف تجربة رزيج وحمادي المزيد من المخاوف حول الأمر، فحتى إذا انفصل السنة في العراق فلن يعيشوا في سلام فيما بينهم نتيجة للصراعات متعددة الأوجه التي تحولت إلى حرب بداخل العائلات.

نهاية المطاف، عندما يتحدث العراقيون السنة عن محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، فالحديث هنا ليس عن قوة غامضة أو غير معروفة، ولكنهم أبناؤهم وإخوانهم وأبناء عمهم وجيرانهم.

مصالحة سنية-سنية!

يقول رزيج “لا نحتاج اليوم بالضرورة إلى المصالحة بين السنة والشيعة، بل نحتاج إلى المصالحة بين الطائفة الواحدة”. وكان رزيج قد أدلى بتصريحات متناقضة حول شقيقه المسجون، حيث صرح لوسائل إعلام محلية أنه تبرأ منه، ولكن في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، قال بأنه يؤمن ببراءة أخيه.

وبسؤال رزيج عن عدد رجاله الذين يقاتلون أشقاءهم أو أقاربهم الذين انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، أجاب قائلاً “إنهم كثيرون جداً”.

أحد رجال رزيج ويدعى صالح إبراهيم، شرطي من مدينة الفلوجة ويقاتل عند الأطراف الجنوبية للمدينة في المعركة التي تمكنت فيها القوات التابعة للحكومة من تحقيق انتصارات سريعة ومفاجئة الجمعة الماضية، حيث سيطرت على المجمع الحكومي الرئيسي.

يقول صالح بأن شقيقه –موفق- انضم لتنظيم الدولة الإسلامية في عام 2013، في الفترة التي انتشرت فيها الاحتجاجات المناهضة للحكومة بقوة، اعتراضاً على السياسات الطائفية لنوري المالكي، رئيس الوزراء في ذلك الوقت، والذي أصدر أوامر باعتقال عدد كبير من السنة بتهمة الإرهاب، بينما كانت الكثير من تلك الاتهامات بلا أساس من الصحة. ويقول صالح “إذا أمسكت به خلال المعركة فسأقتله بيدي لأنه مجرم”.

التراجع السني في العراق

يحتاج العراق لتحقيق السلام والمصالحة بعد الانتهاء من الدولة الإسلامية أكثر من أي وقت مضى، إذ يجب تحقيق تلك المصالحة على عدة مستويات، وخاصة داخل المجتمع السني. التراجع السني في العراق بدأ منذ الغزو الأميركي في 2003، وقد استمر ذلك التراجع مع نزوح الملايين من السنة نتيجة للقتال بين قوات الحكومة وتنظيم داعش المشتعل في المناطق السنية.

في آخر مرة حدث فيها ذلك، في عامي 2006 و2007 تحديداً، تطلب الأمر من الولايات المتحدة المال والنفوذ لتهدئة المناطق السنية التي كانت في قبضة تنظيم القاعدة في العراق. ومع ما يعرف بالصحوات السنية، دُفِع المال للمتمردين السابقين ليغيروا توجههم ويتحالفوا مع الحكومة، وهو ما تطلب قدراً من المصالحة بل والتسامح داخل المجتمع السني.

هذه المرة، وكما يتفق الجميع، ستكون مختلفة. فمع عدم وجود الولايات المتحدة كوسيط، ومع وجود المال لشراء ولاء البعض، من المرجح أن يحكم المشهد تصفية الحسابات والانتقام.

عندما سُئل رزيج عما إذا كان التصالح بشكل سلمي بين السنة أمراً وارداً، أجاب “مستحيل. أولئك الذين ذبحوا العراقيين يجب ألا يعيشوا”.

دعوات لمواقف متشددة

يبدو أن الشيعة في العراق يدركون هذا الأمر، لذلك حرصوا على الاستعانة بمصادر خارجية فيما يتعلق بتحديد من هم المتعاونون مع تنظيم الدولة الإسلامية، والمتعاطفون مع التنظيم، إذ عندما تحرر الحكومة مدينة ما من قبضة داعش، تلجأ في العادة إلى السكان المحليين من السنة لتحديد من يجب القبض عليه بناءً على مقابلات مع المسئولين وسكان المدينة من السنة. ومع ظهور مزاعم بارتكاب الميليشيات لانتهاكات في الفترة الأخيرة تتضمن تعذيب وقتل الرجال الفارين من القتال في الفلوجة، ظهرت مجموعات سنية موالية للحكومة دفاعاً عنها، وأكدت أنه يجب اتخاذ مواقف مشددة.

في لقاء متلفز، أكد أبو عزام التميمي، أحد قادة مقاتلي العشائر السنية في محافظة الأنبار التي تضم مدينة الفلوجة، على التقاليد القبلية العراقية، وقال أنهم لن ينسوا أو يسامحوا القتلة في تنظيم داعش.

من خلال أكثر من عشر مقابلات أُجريت حديثاً مع سنة في مناطق سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية من قبل، يمكن أن نرى بوضوح إلى أي مدى تمكن ذلك التنظيم الإرهابي من تقسيم العائلات.

لماذا التوجه إلى “التطرف”؟

في الكثير من الحالات، يصف هؤلاء نمطاً مألوفاً لتوجه أقاربهم نحو التطرف، حيث يبدأ من عدم وجود اهتمام خاص بالدين، قبل أن يأتي الغزو الأميركي في 2003 والتمرد السني فيما بعد. قضى الكثير من هؤلاء فترات في سجون عراقية يديرها الأميركان، حيث درسوا فيها القرآن وخططوا للجهاد. وفي 2013، عندما أثارت سياسات المالكي غضباً سنياً واسعاً في البلاد، كانت هناك مجموعات جاهزة من السنة المتطرفين الذين استغلهم تنظيم الدولة الإسلامية بسهولة.

يقول علاء الجبوري، وهو سني من محافظة صلاح الدين وانضم للميليشيات التابعة للحكومة، أن ابن عمه، والذي ينتمي لتنظيم الدولة الإسلامية حالياً، لم يكن متديناً قبل أن يقضي فترة في أحد السجون الأميركية في العراق، حيث يقول “لم يكن حتى معتاداً على الصلاة أو الصوم، ولم يكن محباً للمواد الدينية”.

ومن محافظة ديالي، ذكر مزارعٌ فضل عدم الكشف عن هويته واختار اسم أبو أنس، أن شقيقه الأصغر –حاتم- تحول في عام 2014 إلى هذا الفكر بسبب السياسيين ورجال الدين الذين يدعون إلى وضع حد للمعاملة الظالمة التي يلاقيها السنة على يد الحكومة الشيعية. ويقول “الشباب السني، ومن بينهم أخي، سقطوا في دوامة التوترات الطائفية”، ويضيف أن تحركهم كان يبدو كثورة ضد الظلم، إلا أنه تحول إلى تنظيم داعش.

ويضيف أبو أنس “لم أكن أتخيل على الإطلاق أن يتحول أخي الذي كان بسيطاً وبريئاً وسهل الاستثارة إلى وحش بشري. لقد كان يخاف حتى من ذبح الدجاج، وكان يختلق الأعذار لكي لا يقوم بذلك”.

وانضم أبو أنس إلى القوات الموالية للحكومة لقتال الدولة الإسلامية، حيث يحمل بندقية كلاشينكوف تملكها أسرته منذ قرابة عقدين من الزمان، وقال أنه تلقى رسالة نصية فيما بعد من شقيقه قال له فيه “لقد اخترت الطريق للنار، وأنا اخترت الطريق للجنة”.

الشقيق أعدم شقيقه

وكان تنظيم الدولة الإسلامية قد بث تسجيلاً مصوراً مؤخراً من الموصل ظهر فيه أحد المقاتلين في التنظيم أثناء تنفيذ حكم الإعدام بحق شقيقه، والذي وصفه في المقطع بجاسوس الحكومة، إذ وقف مقاتل التنظيم الملتحي فوق أخيه الجالس على ركبتيه مرتدياً زياً برتقالي اللون، وخاطب أسرته وعشيرته قائلاً أنه يفعل ذلك باسمهم لتطهير العار الذي جلبه شقيقه لهم، قبل أن يطلق النار على رأسه مباشرة.

وكان الآلاف من مقاتلي العشائر السنية ورجال الشرطة المحليين قد انضموا إلى قوات الأمن والميليشيات الشيعية في قتال الفلوجة فيما تعد ثالث أكبر معركة في المدينة منذ عام 2003، إذ تأثر هؤلاء بالدمار الذي خلفه تنظيم الدولة الإسلامية في مجتمعهم ورغبتهم في الانتقام منه.

يقول موفق الربيعي، السياسي الشيعي البارز ومستشار الأمن القومي السابق، والذي توقع معركة دموية بين السنة بعد تحرير الفلوجة “هذه هي آخر مرة ندخل فيها الفلوجة، فلن يكون هناك أي مهادنة. السنة الذين سيحررون المدينة سيحكمونها”.

ذكر الربيعي أيضاً أن هؤلاء اعتادوا على نمط الحياة القبلي في الأنبار، وأنه يمكن شراء ولائهم لبغداد، حيث يقول “مقاتلو العشائر لا يعرفون حتى كيف يصلون. هم يحبون البوظة ويستمتعون بحياتهم، ويحركهم دافعان أساسيان هما المال والسلطة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى