الصين وقوتها الناعمة

الصين وقوتها الناعمة
مروان سمور – باحث سياسي

أن عالِم السياسة الأمريكيّ جوزيف ناي هو الذي صاغ مفهوم «القوّة النَّاعمة»، مقابل مفهوم القوّة الصَّلْبة. ويعرِّف ناي القوّة الناعمة بأنّها «القدرة على تحقيق الأهداف المنشودة عن طريق الجاذبيّة أو السحر أو الإقناع بدل الإرغام أو الإغراء بالأموال». ومَوارِد القوّة الناعمة لأيّ بلد هي ثقافته وقيمه السياسيّة، فضلا عن السياسة الخارجيّة .
فيما يشير العالِم الصينيّ الشهير”Men Honghua” إلى أنّ القوّة الناعمة الصينيّة تتكوّن من الثقافة والمفاهيم والنموذج التنمويّ والأنظمة الدوليّة والصورة الدوليّة ، وتعتبر الثقافة والمفاهيم والنموذج التنمويّ «القوّة الداخليّة» للقوّة الناعمة، فيما تعتبر الصورة الدوليّة «القوّة الخارجيّة» للقوّة الناعمة، حيث تربطهما الأنظمة الدّولية التى تصبح قناة رئيسة لعرض القوّة الناعمة الصينيّة وبنائها .

وتركز الصين في سياستها الخارجية وبسط النفوذ على الفلسفة الأمريكية الجديدة التي تسمى: القوة الناعمة، وهي قوة ناعمة على الطريقة الصينية، ومظاهر هذه القوة تتمثل في التعليم والإعلام وإطلاق مشروع الصين الحلم وأخيراً التكتل الإقليمي المناور .

– يقول الليبرالي الصيني شي ينهونغ: إن الولايات المتحدة ستفوز باللعبة العسكرية في المحيط الهادئ بتعزيز قواعدها العسكرية في غوام وأوكيناوا وهاواي، والصين لا تحب تلك اللعبة ، بل هي لا تلعبها أيضا. الصين تلعب لعبة مختلفة تقوم : على الاستثمار الاقتصادي والتجارة، والهجرة، ودبلوماسية الابتسامة . والولايات المتحدة لا تستطيع إيقاف هذا، وهي تخسر لعبة الصين، ولن تستطيع أن تعيق نهوض الصين .

مقالات ذات صلة

واليكم بعض المحاور التي تستند اليها الصين في قوتها الناعمة :

– ركزت القيادات والاعلام الصيني على قصة النجاح الاقتصادي للصين كبديل لليبرالية الديمقراطية الغربية , فالاقتصاد الصاعد في الصين يعد عنصرا مساعدا على تزايد جاذبيتها في العالم النامي . والبضائع الصينية : اليوم منتشرة في كل مكان بالعالم ، فأصبحت عبارة “صنع في الصين” علامة معروفة لدى الناس ويعشقونها وهي تعتبر بمثابة جواز السفر للعبور الى عقول وقلوب العالم .

– انتهجت الصين النهج الأمريكي في الإكثار من المنح الجامعية للطلاب من مختلف دول العالم، فقد بلغ عدد الطلاب الإندونيسيين في الصين ضعف عددهم في أمريكا، وعدد الطلاب من كوريا الجنوبية ثلاثة عشر ألف طالب، وهذه الخطوة تعتمد على افتراض انبهار جزء كبير من الطلاب بقيم وعادات وفلسفة الدولة المضيفة، ومحاولة استنساخ التجربة والتبشير بها في الوطن .

– معاهد كونفوشيوس؛ حيث تشكِّل هذه المعاهد الصينية جزءا أساسيّا آخر من الجهود الرامية إلى بناء القوّة الناعمة التعليمية للصين. فحتّى نهاية العام 2016، تمّ إنشاء 512 معهدا و1073 فصلا فى 140 دولة (منطقة) فى العالَم، لنشر اللغة والثقافة الصينية على غرار المركز البريطاني , وتطمح الصين لتخطي حاجز المئة معهد .

– على المستوى الإعلامي حاولت الصين بناء امبراطورية إعلامية توازي وتضارع القنوات والوكالات الإعلامية العالمية المشهورة . ، فأطلقت سلسلة قنوات تلفزيون الصين المركزي (ccv). وعززت من قوة وكالة أنباء «شينخوا» , بغية التقليل وتحجيم تاثير ونفوذ هذه القنوات العالمية .

ولكن برغم كل الجهود التي تبذلها الصين للتمكن من منافسة هذه القنوات الاعلامية العالمية ، لا يشكل الجمهور الدولي الذي يتابع هذه الدعاية الضعيفة سوى نسبة ضئيلة تكاد لا تُذكَر .

– الاستثمارات الصينية المُباشرة فى الخارج، حيث تتمتّع الاستثمارات الصينية المباشرة فى الخارج بالجاذبية ، وبخاصّة بالنسبة إلى الدول النامية ، وذلك بسبب عدم ارتباطها بشروط حقوق الإنسان أو نشر الديمقراطية وما إلى ذلك ؛ إذ إنّ الشرط الوحيد هو الاعتراف بتايوان كجزء لا يتجزّأ من الصين الأمّ ، وعدم إقامة أيّ علاقات دبلوماسية رسمية مع تايوان .

وايضا المساعدات الخارجيّة الصينيّة ينطبق عليها ما ينطبق على الاستثمارات من شروط. وإنّ ما يميّز المساعدات الصينية عن المساعدات عن غيرها , وان الصين تعلن بانها : تلتزم بعدد من المبادئ فى تقديم المساعدات الخارجية ، ومنها (المنفعة المُتبادَلة ، وقاعدة رابح ــ رابح) .

– تبنت الصين منظمة شنغهاي (sco) وتضم إلى جانب الصين 🙁 روسيا وكازخستان وقرغستان وطاجكستان، وأوزبكستان) ، وبمراقبة الهند وإيران وباكستان ومنغوليا . وهذه الكتلة يعتبرها الخبراء , تشكل تهديد كبير للنفوذ الأمريكي في آسيا .

وختاما ان الصين منذ نهاية عقد السبعينيات اتبعت مبدأ عدم الظهور على الساحة السياسية الدولية , وعدم التسبب في مشكلات مع الدول المتقدمة التي تحتاج اليها لدواعي التصدير ومصادر للاستثمارات التكنولوجية . ولكن من المعلوم بان الديناميكيات الاقتصادية والعسكرية تعتبر جزءا من الصورة عند تقييم دور الصين العالمي , وستحتاج لفترة طويلة حتى تصل لمكانة الولايات المتحدة على كافة الاصعدة .
وان ادوات القوة الناعمة الصينية وحجم انتشار الثقافة الصينية لا يؤهلانها لمنافسة القوة الناعمة الامريكية في الوقت الحالي , ولكنها في منتصف الطريق .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى