الصدمة ، ومشروع الفوضى !!!
مقاربة خامسة للمشهد في لبنان
د.سمير محمد ايوب
هناك حقائق معاصرة ثابتة واضحة في لبنان ، من المؤمل أن لا يختلف عليها اثنان ، منها :
أولا : ان مستلزمات الحياة ، منذ أمد بعيد ، لم تعد تناسب الحياة الكريمة في لبنان . وباتت الحاجة ماسة الى التغييرفي كل اتجاه ، تماما كما هو الحال في جُلِّ مَواطِن العرب .
وهناك مؤشرات كثيرة وبارزة ، على ان القوى المحلية الناهبة والظالمة ، عابرة لكل للطوائف والمذاهب فيه . ولا دخل مباشر للأوصياء الخارجيين ، في انتاج هذه القوى وتشظياتها ، ولا في تغولها الفج .
ضِيقُ الشعب اللبناني من هذه القوى ، التي تشكل دولا داخل النظام السياسي للدولة ،كان مكبوتا بضوابط محسوبة . ولكن الكيل كان قد طفح يوم 17 تشرين الاول 2019 ، فتلاقى الناس بعفوية في الشوارع والميادين ، مفجرين حراكا حقيقيا عشوائيا ، للتخلص من هذه القوى ، وممارسة حقهم في العيش بكرامة ، بعيدا عن الفقر والقهر .
ثاني هذه الحقائق : أن لبنان ما زال جزءا استراتيجيا من المجال الحيوي للقوى الصهيو امريكية ومصالحها وأمنها في المنطقة . وكيلا يتحول لبنان مصدر خطر يهدد امن العدو الصهيوني، فإن مشروع تفجيره بالفوضى من داخله ، باق على الدوام في متناول يد الاوصياء على نيران هادئة .
بعد ستة اسابيع ، من صدمة التأجيج النوعي للغضب الشعبي المتدحرج ، يبدو أن التحضير بعناية لسرقة غضب الناس ، قد نجح في سجن هذا الغضب ، في قمقم السائد من العصبيات الطائفية وتشظياتها المذهبية العميقة المتنافرة ، منذ تخليق الكيان السياسي للبنان . القمقم افقيا هُوَ هُوَ (قوى محلية مشتتة في عصبيات متناحرة ) ، والقمقم عاموديا هُوَ هُوَ ( مستغلين ومستغلين ) ، وقمقم الأوصياء هُمْ هُمْ خارج الحدود . يحاولون عبر توابع محلية اصطياد عملاء وزرع مرتزقة ، تجر اطراف المعادلة ضد بعضها، وفق تحالفات آنية رجراجة وانتهازية مصلحية .
في ظل غياب اطر تنظيمية تجمع وتوجه ، وبرامج عمل شمولية تهدي وتضبط ، وفي ظل فيضان السلاح الطائفي وتدفق الفتن ، هل تطورت كثيرا الهتافات والشتائم والارتطامات اليومية المتدحرجة ، الى فكر حراكي اجتماعي سياسي ثقافي جديد ، متحرر من طائفيته ، منتج لواقع معيشي افضل ، قادر على استبدال الدستور والميثاق والسطوة الطائفية للمحاصصات فيهما ؟ والاهم ، تقليم اظافر الوصايات الخارجية ؟!
لا يلوح في معطيات الساحات ، أي توجهات حقيقية ، تتيح للقوى المجتمعية الوطنية ان تنتج فكرا حراكيا اجتماعيا او سياسيا جديدا يعكس نفسه بصيغ سياسية ، تستولد نظاما سياسيا على اسس موحدة للمواطنة . لن يمر شيء من هذا او ذاك بسهولة ، فدونها اثمان غالية لا بد من ان تتراكم ، وازمان متطاولة لا بد لها من ان تمر .
ما يلوح في كواليس القمامة السياسية والحزبية السائدة ، شيء آخر تماما . اخطر بكثير مما يقال عن حقوق الناس وانصبتهم في الحياة . مؤشراته بينة لكل مبصر قلبه سليم .
الابواب باتت مشرعة او في طريقها لان تصبح مشرعة ، امام تدخلات القوى الدولية ، التي استولدت الكيان ، وهندست وظائف نظامه السياسي المصطنع ، وزرعت في ارحامه الكثير من حقول الالغام المعدة للتفجير،والافخاخ المموهة بذرائع التوازنات .
التواجد العلني للكثير من رموز الفساد وممثلي المرجعيات الطائفية والقوى الاجنبية ،في الميادين وقواهم الناعمة والدامية ، لم يعد ظنا بل معلومات موثقة بالصوت وبالصورة . تؤشر كلها بوضوح الى ان الفتنة العمياء المحلية والمستورده ، بزخمها العابرللحدود ، لا تستهدف بالفعل سوى احداث فراغات سياسية رسمية ، تمكن كلا منهم من اختطاف شيء من لبنان لنفسه ، وخدمة لمرجعياته . وإبقاء لبنان برمته ساحة وملعبا ، لا يسمح لاي من قواه السياسية في الانتصار تماما على بعضها ، حتى لا تنتهي اللعبة ، بل تبقيهم جميعا في توازن هش ، متنقل ورجراج ليلهي حزب الله ويشل حركته .
لأننا لا نتمنى للبنان الا الخير . ندعو الله قائلين : ربنا لا تهجر سما لبنان . واحميه من كل ما ظهر من الفتن وما بطن .