#الصحوة الثانية: #التدريس
د. ذوقان عبيدات
قلت في الصحوة #التربوية الأولى ” الامتحانات “: إن الصحوة عودة لاستلهام الماضي، والبحث فيه عن حلول قديمة لمشكلات جديدة؛ ولذلك اكتشفوا رصيدًا هائلًا من امتحانات فاشلة: امتحان ابتدائي عام، وامتحان إعدادي عام، إضافة إلى امتحان الثانوية العامة. عثروا على كنز! ولذلك بدأوا هجومًا لإعادة امتحان الإعدادية العام. وقلت: إن هذه الصحوة طالما كانت من أسباب تراجع التعليم.
أما في هذه المقالة، فسوف أتحدث عن الصحوة الثانية، وهي صحوة التدريس. وذلك لارتباطها الوثيق بالصحوة الامتحانية الأولى. وبداية أعرف صحوة التدريس بما يأتي:
هي الرجوع إلى أساليب واستراتيجيات تدريس قديمة وأصيلة في تراثنا التربوي. عسى أن ننجح في تطوير التعليم. وتطوير التعليم هو في إعداد طلبتنا إلى النجاح في الامتحانات. وهكذا ارتبطت الصحوة الثانية بالصحوة الأولى، وتضافرتا في إضعاف التعليم وتراجعه، فهل تراجعَ التعليم فعلًا؟
(1)
هل تراجع تعليمنا؟؟
هناك من يعتقد أن الإجابة نعم. فتدريسنا تراجع وَفْقَ فئتين اثنتين وهما:
الأولى: أنصار الماضي الذين يعتقدون بمعلم زمان، ودراسة زمان، ومنهاج زمان، وانضباط زمان.
الأخرى: الامتحانيون الذين يقيسون التعليم وفق نتائج الطلبة في الامتحانات، وخاصة الامتحانات الدولية التي أثبتت فعلًا تراجع أداء طلبتنا في الامتحان. حيث كانوا في التسعينات في وضع أفضل؛ ولذلك، يطالبون بالعودة إلى الماضي بحثًا عن حلّ.
إذن: الفئتان عادتا إلى الماضي، وهذه صحوة تدريسية!
وبمناقشة بسيطة، كان التعليم في الماضي نوعيّا. ولذلك هجره كثير من الطلبة الذين لم يستطيعوا التكيف مع هذا التعليم الأصيل! ففي الخمسينات من القرن الماضي، كان التعليم نخبويّا وكان من يدخل المدرسة لا يصل إلى نهايتها إلا إذا كان في بيئة اجتماعية واقتصادية مناسبة. فكان التسرب عالياً جدّا. وكلفة التعليم نتيجة ذلك كله عالية جدّا.
وفي الثمانينات من القرن الماضي، كانت نسبة الطلبة الذين يكملون المدرسة من الصف الأول للثاني عشر دون رسوب لا تزيد عن 30%. هذا ما يمكن استنتاجه بأن التعليم في الماضي لم يكن مشرّفا، بل بالعكس، كان نخبويّا أرستقراطيّا، ودليلي على ذلك هو أن وزير التربية والتعليم سنة 1995م رفع الرسوم المدرسية دينارًا واحدًا. قامت الدنيا وقعدت أو لم تقعد إلا بعد أن ألغى الأمير حسن القرار بعد أن حاصره الأهالي في عجلون. فالناس هدّدوا بترك المدرسة!! حيث لم يعد بإمكانهم تحمّل الرسوم التي ارتفعت من دينارين سنويّا إلى ثلاثة .
أما التدريس، فكان مثالًا للتلقين. وكيف كان!؟
(3)
التدريس نمطيٌّ على طريقة هربارت
هربارت هذا تربوي أو فيلسوف ألماني وضع خطوات خمس للتدريس، يجب أن يسير عليها كل معلم في حصته، حيث كانت هذه الخطوات منارة لكل مدرّس ناجح. وهذه الخطوات هي:
- التمهيد: وهو مقدمة لإثارة حماسة الطلبة.
- العرض: وهو تقديم الدرس بطريقة الكشف عن المعلومات الأساسية.
- الربط: ويقصد به ربط المعلومات الجديدة بخبرات الطلبة السابقة.
- الاستنتاج: ويعني الوصول إلى القواعد الرئيسة والمعلومات الرئيسة.
- التطبيق: وهو ما يقوم به الطلبة من عمل مثل حل التمارين والإجابة عن الأسئلة.
وقد ترسخت هذه الخطوات، حتى صار المعلم الممتاز هو من يلتزم حرفياً بهذه الخطوات . ما يهمني هنا ليس الخطوات، بل إن هذه الخطوات تعرضت إلى نقد شديد، فهي تنميط للتدريس برغم اختلاف الدروس وتمايز الطلبة. ولذلك، تم رفضها من الفكر التربوي الحديث، وخاصة مع انتشار مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وتمايز الطلبة، وعدم وجود طريقة واحدة لتعليم السمكة والفيل والقرد والعصفور.
وبعد هذا النقد، تم التخلي عن طريقة هربارت، لكنها بقيت تراثًا تربويّا من الماضي غير المقبول!! وأصبحت مثالًا للتخلف التربوي. وها هي إلا سنوات قليلة حتى اكتشف المربون طريقة 5Es في التدريس وهي: - الإدماج Engage: ويعني إدماج الطلبة في الموضوع، فهو الخطوة الأولى لهربارت تمامًا.
- الاكتشاف Explore: وهو اكتشاف أبعاد الموضوع، فهو خطوة مشتركة بين خطوتي هربارت الأولى والثانية.
- التفسير Explain : وهو مرحلة الشرح عند هربارت.
- التوسّع Elaboration : وهو معادلة للتطبيق عند هربارت؛ لأنها مرحلة تطبيقات.
5.التقويم Evaluation: وهو مرحلة في كل نشاط عند هذه الاستراتيجية أو غيرها. لكن وجود هذه المرحلة في ختام هذه الاستراتيجية ليس أمرًا تربويّا، فالتقويم عملية مستمرة.
طبعاً ليس من المهم إثبات التطابق بين ال 5Es وهربارت. فالأكثر أهمية هو أن الخطوات الخمس هي تنميط التدريس وحشر لجميع الدروس على اختلافها . وحشر جميع للطلبة جميعهم على تمايزهم واختلافهم في نمط تدريس واحد غير مقبول تربويّا وإنسانيّا وأخلاقيّا، وهكذا.
إذن: التدريس الجديد هو صحوة تدريسية مستمدة من التراث جرى استيرادها لقيادة عملية تطوير المناهج والكتب، وسأكتب عنها بدقة موضحًا عيوب التطوير وكشفه أمام المجتمع.
(4)
الصحوة التدريسية
هذه الصحوة أخذت من تراث هربارت السابق والمرفوض وركزت على حفظ المعلومات وتذكّرها. فمن يراقب أسئلة معلّمينا وامتحانات طلبتنا، بما في ذلك التوجيهي، سيكتشف أننا على طريقة:
هل غادر الشعراء من متردّم؟
صحوة تدريسية كاملة ، لم تكن تطويرًا. و سنتوقع نتائج مماثلة لأي صحوة: تخلّفا وجمودًا وتقهقرًا.
لست بصدد تحديد من المسؤول، لكن حين نفكر بعقلية الصحوة يجب أن لا يغيب عن البال أبدا أن التعليم في تراجع. وسأكون بعد كتابة الصحوات الثلاث مؤهّلا للكتابة عن:
لماذا تراجع التعليم؟ وتحديد مسؤوليات مَنْ أوصلونا إلى هذا المُنحدَر!