الصحافة الإلكترونية الأردنية وحرية التعبير

#الصحافة #الإلكترونية #الأردنية و #حرية #التعبير

الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة

دأب الكثير من المهتمين بالشأن #الصحفي و #الإعلامي على اعتبار انتشار الصحف الإلكترونية الأردنية في السنوات القليلة الماضية ظاهرة تعكس أجواء الانفتاح العام وحرية التعبير التي جاءت منسجمة مع الأجواء الديمقراطية والحراك السياسي السائد في الدولة الأردنية. ومما لا شك فيه أن التزايد في عدد الصحف الإلكترونية قد صاحبه إيجابيات كثيرة لعل من أبرزها السقوف العالية ،وأحيانا الفلكية، في المواد والموضوعات التي تتناولها المقالات ،وفي الصراحة وأحيانا الضراوة التي تكتنف أساليب التعبير، وشدة النقد للمؤسسات والقيادات الإدارية التي تشرف عليها.
بعض الصحف الإلكترونية للأسف محسوبة على الحكومة والأجهزة الأمنية ولا تنشر إلا ما يتوافق مع سياسات الحكومة وتوجهاتها وتحجم عن نشر المقالات التي تنتقد السلطة وقراراتها. وأعتقد أن بعض هذه #المواقع #الالكترونية تأخذ موافقة أذرع الأجهزة الرسمية قبل نشر المقالات الناقدة.الملفت في الموضوع أنه عند توجيه سؤال لبعض رؤساء المواقع الالكترونية عن اسباب لعب هذا الدور أفاد بأن الحكومة تستخدم ورقة الدعايات والإعلانات المأجورة في المواقع وهذا البعد المالي مهم للموقع أكثر من البعد السياسي.يكفي أن أشير بهذا الصدد إلى أن أحد المواقع الإلكترونية يحقق عوائد مالية تتجاوز اربعمائة ألف دينار سنويا مستفيدا من الإعلانات الحكومية وتوجيه الحكومة لبعض المؤسسات والجهات للإعلان لدى هذا الموقع المرضي عنه..
من جانب آخر فقد لوحظ أن بعض الصحف الإلكترونية تمارس عبر رؤساء ومدراء التحرير فيها قرارات اقل ما يقال فيها أنها عرفية واستبدادية وشخصية ومتحيزة. ففي الوقت الذي بدأت بعض الصحف الرسمية التي تمتلك الحكومة معظم أسهمها في التخفيف من قبضة رئاسة التحرير وتعسفها في قبول نشر رأي أو مقال ناقد لسياسة الحكومة، فإن بعض رؤساء التحرير في الصحف الإلكترونية يرفضون نشر مقالات لا تنسجم مع رؤاهم ومعتقداتهم الشخصية والعقائدية متناسين أن الكاتب عندما يكتب أو ينتقد أو يعبر عن رأي فإن ما يكتبه أو ينقده ليس موجها للصحيفة والقائمين عليها ولكنه موجه للقراء وللمؤسسات وللمسئولين عنها وإلا كيف يمكن أن تتحقق رسالة الكتابة والصحافة الرامية إلى رفع حالة الوعي في أوساط الجمهور، والتنبيه للمشكلات العامة والرقابة الجماهيرية على صناع القرار إذا لم يقم الإعلاميين بتناول موضوعات جدلية أو خلافية. بمعنى آخر الكاتب لا يكتب لرؤساء التحرير الصحف الإلكترونية، وإنما يكتب إلى القراء الذين يتفاعلون مع المقال حسب محتواه وجودته وجرأته. رأي رؤساء التحرير رأي فني يهدف إلى المحافظة على سمعة الصحيفة وحمايتها من الناحية القانونية من المقاضاة من قبل مؤسسات أو أفراد متضررين من نشر مقال معين ، أما أن لا يوافق رئيس التحرير على نشر مقال مؤيد أو معارض لموقف جماعة الإخوان المسلمين أو الحزب الشيوعي الأردني على سبيل المثال لأنه غير مساند أو مؤيد لهذا الجماعة أو ذلك الحزب السياسي فهذا أمر غير مهني وغير مقبول ولا ينسجم مع حرية الرأي والتعبير التي تنادي بها بعض الصحف الإلكترونية.
رؤساء تحرير الصحف لا يمكن أن يكونوا قيمين على أراء الكتاب جميعا وفي شتى المجالات فالكتابات الصحفية تتناول موضوعات عديدة تشتمل على مختلف جوانب أداء الدولة والحراك السياسي والأوضاع الثقافية ، والتعليمية، والاجتماعية فهل رئيس التحرير يستطيع أن يكون المرجع الموزون، والحكم الحكيم، والمقيم الموضوعي والجدير في كل المقالات التي ترد إليه لنشرها في صحيفته؟. الأمر الوحيد الذي يمكن أن يعطي مثل هكذا حق لرئيس التحرير هو أن تكون الصحيفة نفسها صحيفة حزبية تمثل رأي حزب معين وإلا فإن ممارسة سياسات المقص الرقابي ورفض النشر أو قبوله تصبح قضية مزاجية لا تستند لمعايير صحفية حرفية وهذه تمثل سياسات قديمة انتهى عهدها إلى غير رجعة.
المطلوب من القائمين على الصحف الإلكترونية الأردنية التي نفخر بها أن يتخلوا عن السياسات القمعية والدكتاتورية في قبول أو رفض قبول بعض المقالات التي لا تتواءم مع رؤاهم الفكرية والسياسية.الكتاب لا يكتبون لكم ولكنهم يكتبون للشارع الذي يحكم على جودة منتجهم وتفكيرهم ونقدهم ،وأود التذكير في هذا السياق بأن أفضل المقالات هي تلك التي تثير جدلا حولها ،وتستثير وجهات نظر متباينة حول مضمونها وتوجهاتها وليست تلك المقالات الساكنة الخالية من المحتوى أو تلك التي تتناول موضوعات مكررة ممجوجة لا تفيد لا الصحيفة ولا قرائها. الزمن تغير يا رؤساء التحرير وها هي الحكومات والأجهزة الأمنية تغير من نهجها وأساليبها القمعية القديمة لتنصت لنبض شعوبها وتطلعاتها وانتقاداتها فما بالكم تحنون إلى ماض قد تولى؟.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى