الصاع

الصاع / ‏رائد عبدالرحمن حجازي‏

منذ نعومة أظفاري وانا أسمع عن خطط تنموية ودراسات استراتيجبة لانعاش الاقتصاد والعمل على توفير رفاهية للمواطن . لم أكن أعتقد في ذلك الوقت بان مثقال كان لديه خِطَطُه الناجعة والناجحة . (الصاع) هذا ما اخترته لكم من كتابي “شذرات من التراث” الصاع بعد إنتهاء موسم الحصاد تجمع الصغار قبل الكبار عند البيدر وهم أبناء الحاج مثقال وزوجاتهم وكذلك بناته وأزواجهن والأحفاد . طبعا زريفة أول الموجودين وقد اتخذت مكاناً استراتيجياً لمراقبة عملية قسمة البيدر. الكل في حالة ترقب وإنتظار لينهي مثقال صلاته وهي ركعتين شكر لله على نعمه . وما أن أنهى الصلاة حتى تقدم وتناول الصاع وجلس أمام البيدر متربعاً على مقعدته وأخرج علبة السجائر الفضية ولف ورقة اوتومان بالهيشة البلدية وقال بسم الله وعلى بركة الله … وبدأ بقسمة البيدر من خلال تعبئة الشوالات عن طريق الصاع , مستخدماً العد التقليدي لديه وهو على النحو الأتي : “الله واحد ماله ثاني وهاي ثلاثة والربح من الله وخمسة في عين اللّي ما يصلّي على النبي وسترك يا نبي في ستّة ويا الله الأمانـة وتسعد يـا اللّي تصلي على النبي وعَشرة رسـول الله واحدعش واطنعش .. الخ” إلى ان تمتلىء الشوالات وينتهي من قسمة المحصول . لكن من بعض مفارقات قسمة البيدر مثلاً عندما كان مثقال يقوم بتعبئة الصاع حتى يصبح شكله العلوي كالهرم . ويقول هذا لفلان ويكرر العملية مراراً وتكراراً لفلان وفلانة حتى يأخذ الجميع حصتهم من البيدر . كيف لا وهم أصحاب تعب في جني هذا المحصول . فمنهم من حرث وزرع و حصد ودرس وغمر ورجد و…الخ . فها هي سليمة زوجة طايل وهو أكبر أبناء مثقال تقول له بعد أن يمتلىء الصاع ( يا عمي زيدهن شوي والله اني تعبت قد قديش) . فيبادر مثقال بأخذ حفنة كبيرة بيديه الإثنتين ويضعهم فوق هرم القمح لتعود حبات القمح الزائدة بمتابعة مسيرها نحو الارض , فترتسم ابتسامة عريضة على وجه سليمة , وهنا تتمتم زريفة وهي تقول : ( دمالة الدمالة على شو بدتش زيادة يا مهدومة ) فيجيبها مثقال ( اسكتي يا مرة خلي ربنا يطرحلنا البركة) . فعلاً قد يكون مثقال لم يزيد في حجم سعة الصاع من القمح مهما زاده من حفنات ، إلا أن البركة كانت موجودة لنقاء سريرة الجميع وعدم وجود لصوص ولصدقهم وأمانتهم بالعمل طوال الموسم. أما نحن فبيادرنا ما شاء الله منهوبة ومتأكلة مهما وضع فيها من أموال ,وخصوصاً بيدر الموازنة ، لا لشيء وإنما لاختفاء الأمانة و البركة من أيادي من يكيل بصاعها . فيارب خلّصنا منهم واطرح لنا البركة . رائد عبدالرحمن حجازي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى