الشيخ كمال الخطيب يكتب … غزّة – Gaza

#سواليف

غزّة – Gaza

#الشيخ_كمال_الخطيب


✍️في هذه الأيام بل الساعات التي فيها تنعم مدن #الأرض بالأمن والأمان والهدوء والرخاء والطمأنينة والسكينة، فإن مدينة واحدة من بين مدن الأرض كلها هي مدينة #غزة وما حولها، فإنها لا تعرف إلا #القصف و #الجوع و #العطش و #التشريد و #الإبادة.
✍️ في هذه الأيام التي فيها تنعم مدن الأرض وينعم سكانها ببرامج الترويح عن النفس، فبين مباريات كرة قدم، وبين مهرجانات ثقافية، وبين برامج ترفيهية، فإن سكان مدينة واحدة هي مدينة غزة، فإنهم محرومون من الحدّ الأدنى للعيش الآدمي من الماء والغذاء والدواء والكهرباء، ولم يعد في قاموسهم المهرجانات الثقافية ولا البرامج الترفيهية بل ولا حتى إقامة الصلوات في المساجد لأنها دُمّرت وسُويّت بالأرض.
✍️ في هذه الأيام التي أصبحت فيها غزة ومنذ سنتين تتصدّر نشرات الأخبار وعناوين الصحف بكل ألسنة ولغات أهل الأرض وهي تواجه البطش والكيد والظلم والقهر والتدمير.
✍️ في هذه الأيام التي إذا كان أطفال العالم فيها يحلمون ويتباهون بإشارات الماركات العالمية التي منها يلبسون ملابسهم أو نوع الهاتف الجوّال الذي بحوزتهم وهل هو من آخر صرعة أم التي قبلها، وينشرون صورهم في أشهر المطاعم التي ارتادوها مع أهلهم. فإن أطفال غزة لم يعودوا يحلمون إلا بالعودة إلى مقاعد الدراسة، لا بل إن هذه أصبحت أمنية بعيدة المنال، فأصبح حلمهم المنشود كسرة خبز، نعم كسرة خبز فقط.
✍️إنها غزة إذن، هذه المدينة التي باتت تتردد على ألسنة الخلائق ولغات شعوب الأرض كلها وهي تسطّر ملحمة الصمود والثبات. فمن تكون غزة هذه يا ترى؟
🔷ولها من اسمها نصيب
✍️غزة مدينة عربية الأصول، بناها الكنعانيون العرب سنة 1500 قبل الميلاد. ومعنى كلمة غزة وفق لغات من تعاقبوا على احتلالها فإنها تعني “المميزة عن غيرها”، “العزة والمنعة”، “الكنز”، “المخزن”، “الشيء الذي يدّخر”. ووصفت غزة بأوصاف أخرى فقيل عنها في التاريخ أنها “المدينة الشريفة”، “مدينة البخور”، “أم الأجيال”.
✍️واضح إذن أن لغزة من اسمها نصيبًا، فهي كنز الكنوز، وهي المميزة، وهي الثمينة التي تدّخر لأحلك الظروف وأصعبها. غزة التي قالت: “الجوع ولا الركوع”، والتي قالت: “الحصار ولا العار”، وغزة التي قالت: “تموت الحرة ولا تأكل بثدييها”.
✍️غزة كانت دائمًا بطبيعة موقعها الجغرافي المهم على الطريق الساحلي بين الشمال والجنوب، بين مصر والشام، وبين البحر وبين الصحراء، فكانت دائمًا مطمعًا للغزاة والمحتلين، ولكن غزة كانت دائمًا تسطّر صفحات من المجد والشموخ وعزة النفس رغم ما كانت تدفعه من أثمان باهظة في كل جولة من جولاتها مع مغتصب ومحتل جديد.
✍️فغزة هي التي صمدت أمام حملة الفرعون الكبير “تحتمس الثالث” وكان ذلك في العام 1500 قبل الميلاد، وكانت حديثة عهد بالتأسيس من الكنعانيين العرب.
✍️ولما غزا الفرس بلاد الشام لملاحقة نبوخذ نصّر الملك البابلي الشهير، فاحتلوا الشام وتوجهوا جنوبًا نحو مصر، فلم يتجاسر بالوقوف في وجههم إلا أهل غزة فحاصروها طويلًا حتى سقطت بأيديهم وكان ذلك في العام 539 قبل الميلاد.
✍️وغزة هي التي صمدت أمام جيوش الإسكندر المقدوني بعد انتصاره على الفرس في العام 333 قبل الميلاد، حتى أن هيرودوس ملك الرومان قد أطلق عليها اسم “المدينة العظيمة”.
✍️وحينما قامت ثورة اليهود المكابيين ضد الرومان، فإنهم قاموا بغزو غزة سنة 145 قبل الميلاد وقد كانت تحت الاحتلال الروماني، فقام أهلها بإغلاق أبوابها فحاصرها اليهود المكابيون فنهبوا وأحرقوا ضواحيها وأخذوا أبناء أعيانها ورموزها رهائن حتى تستسلم.
✍️وغزة هي التي دارت فيها المعركة الحاسمة بقيادة الأمير بيبرس الذي واجه زحوف الجيش التتري المغولي الذي قيل عنه أنه لا يُقهر، وانتصر أهل غزة والحامية المصرية التي كانت فيها على طلائع الجيش التتري، فكانت هذه المعركة هزيمة معنوية ومقدمة لمطاردة المغول وملاقاتهم لاحقًا في معركة عين جالوت في سهول بيسان من العام 1260 للميلاد، رغم أنه قبل ذلك بقليل فقد كان المسلمون أنفسهم يرددون عبارة: “إذا قيل لك أن التتار قد انهزموا فلا تصدق”. فمثلما رحل كل أولئك الغزاة والعابرين وبقيت غزة، فسيرحل الاحتلال الاسرائيلي العابر وستبقى غزة.
🔷شرّفوا غزة وشرّفتهم
✍️إنها غزة التي عُرفت في التاريخ بغزة هاشم نسبة لهاشم بن عبد مناف والد عبد المطلب جد النبي ﷺ، والذي قيل أنه أول من سيّر رحلتي الشتاء والصيف من مكة، فكان في الشتاء يذهب إلى اليمن والحبشة وفي الصيف كان يرحل ويسافر إلى غزة وبلاد الشام.
فكان أن توفي في إحدى رحلات الصيف خلال وجوده في غزة فدفن فيها وما يزال قبره موجودًا في مسجد السيد هاشم في حي الدرج في مدينة غزة.
✍️وغزة هي التي شهدت طلعة من أعدّه الله سبحانه لأعظم أبوة، إنه عبد الله بن عبد المطلب والد رسول الله ﷺ، والذي كان بعد أن تزوّج بآمنة بنت وهب فإنه قد خرج في رحلة تجارة إلى غزة، وفي طريق عودته إلى مكة فإنه مرض ثم توفي ودفن في المدينة المنورة في مقبرة البقيع. وفي تلك الأيام كانت آمنة زوجته حاملًا بأعظم وأشرف وأطهر مولود، إنه حبيب الله محمد ﷺ.
✍️إنها غزة التي كانت تحت الحكم والاحتلال الروماني، وخلال بداية الفتوحات الإسلامية المباركة حاصرها الصحابي الجليل أبو أمامة الباهلي في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وطال الحصار وقد توفي أبو بكر رضي الله عنه، فلمّا كانت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه كلّف لقيادة جيش فتح غزة الصحابي الجليل عمر بن العاص رضي الله عنه وقد قال كلمته الشهيرة: “لأرمينّ أرطبون الروم بأرطبون العرب”، وكان فتح غزة سنة 635 من الميلاد الموافق لـ 13 للهجرة.
✍️ إنها غزة التي مات فيها جدّ رسول الله ﷺ هاشم بن عبد مناف، وزارها قبل موته والد رسول الله ﷺ، وهي التي نطق باسمها رسول الله ﷺ قبل أن يراها ولم يزرها حتى بعد بعثته ﷺ لما قال: “أبشركم بالعروسين غزة وعسقلان”.
✍️إنها غزة التي تشرّفت بأن فيها ولد أشهر وأكرم فلسطيني منذ عهد الإسلام وحتى يومنا هذا، إنه الإمام محمد بن إدريس الشافعي صاحب المذهب الشهير وحافظ القرآن وهو ابن تسع سنين، وهو الذي خرج منها في طلب العلم ولكنه كان كثير الاشتياق إليها، فكان يقول:
إني لمشتاق إلى أرض غزة وإن خانني بعد التفرق كتماني
سقى الله أرضًا لو ظفرت بتربها كحّلت به من شدة الشوق أجفاني
✍️إنها غزة التي أنجبت إبراهيم بن عثمان الأشهبي أحد مشاهير من أنجبتهم غزة، وكان عالمًا جليلًا وفقيهًا وشاعرًا وقد ساقته الأقدار إِلى بلاد بلخ “في أفغانستان” فتزوّج هناك واستقر وكان له أولاد وأحفاد، فلمّا حضرته الوفاة كان يناجي الله وهو يبكي ويقول: “اللهم اغفر لي لثلاثة: اغفر لي لأني من غزة بلد الإمام الشافعي، واغفر لي لأني شيخ كبير، واغفر لي لأني غريب”.
✍️إنها غزة التي كتبت وما تزال تكتب التاريخ ليس بالحبر الأسود ولكنه بالدم الأحمر، دم 65 ألفًا من الشهداء، وأكثر من 150 ألفًا من الجرحى. غزة التي لم تساوم على شرفها ولن تساوم غزة التي فضحت المتخاذلين والمتآمرين. غزة التي تضع اليوم ليس العرب ولا المسلمين بل الدنيا كلها على مفترق طرق بعد إذ أذهلت الدنيا بصبر وثبات نسائها وأطفالها وشيوخها.
🔷شرف لا يستحقّونه
✍️ لقد سجّل لنا التاريخ واحتفظت لنا كتب السيرة بقصة ذلك الحصار الذي فرضه كفار قريش على رسول الله ﷺ وأصحابه في شِعب أبي طالب في مكة، ذلك الحصار الذي استمر لثلاث سنوات منع فيه عن المسلمين الطعام والشراب وحتى الكلام والمصاهرة والبيع والشراء، ووقّعوا على ذلك وثيقة علّقوها داخل الكعبة المشرفة حتى لا ينقضها أحد.
اشتد الحصار حتى أن المسلمين لم يكونوا يجدون لقمة طعام، وكان يُسمع صوت بكاء أطفالهم حتى أنهم أكلوا ورق الشجر، وحتى أنهم كانوا يرطّبون جلود الحيوانات الميتة لتلين قليلًا ثم يمضغونها من شدة الجوع.
لكن معاني إنسانية ونخوة بدأت تظهر في بعض كبراء قريش رغم كفرهم، دفعتهم لكسر هذا الحصار الظالم كما فعل هشام بن عمرو الذي كان يحمّل جملًا له طعامًا وشرابًا ثم يصل به إلى باب الشِعَب فيضربه فيندفع الجمل داخل الشِعَب فيأخذ المسلمون ما عليه من طعام وشراب حتى كان اليوم الذي تحرّكت فيه النخوة في عدد من زعماء قريش “هشام بن عمرو وزهير بن عمير والمطعم بن عدي وزمعة بن أسود وأبي البختري بن هشام” الذين تحدّثوا فيما بينهم وقالوا: “كيف لنا أن نأكل الطعام ونلبس الثياب وننكح النساء وبنو العمومة والأخوال لا يأكلون ولا يشربون”، فذهبوا سويّة إِلى الكعبة المشرفة وهناك أنهوا الحصار الظالم وقام المطعم بن عدي فدخل الكعبة يمزّق الصحيفة فوجد أن الأرضة -السوسة- قد أكلتها إلا كلمة “باسمك اللهم”.
✍️وها هو التاريخ يسجّل حصارًا على غزة بدأ منذ العام 2007 وما يزال مستمرًا، وقد بلغ ذروته خلال العامين الأخيرين. وها هو يشهد في هذه الساعات أحلك ساعاته وأشدّها قسوة على أهلنا في غزة.
✍️ لم يتحرّك أصحاب نخوة من العرب والمسلمين ليكسروا هذا الحصار الظالم .
✍️لا بل إن النخوة والشهامة والإنسانية قد تحرّكت في أجانب وغير المسلمين، فنراهم يركبون البحر مرة بعد مرة من أجل كسر الحصار عن غزة وإيصال الدواء والطعام والشراب إلى أطفالها ونسائها ومُجَوَّعيها ومرضاها.
✍️لعل أعظم ما يبكي غزة ويفجعها أن عواصم غير عربية وغير إسلامية يحتشد أهلها ليلًا ونهارًا، صيفًا وشتاء تضامنًا مع غزة بينما تصمت وتنخرس عواصم عربية .
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
#نحنإلىالفرجأقربفأبشروا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى