الشيخ كمال الخطيب يكتب .. تعرف تجيب ولد مثل هذا الولد؟!

#سواليف

تعرف تجيب ولد مثل هذا الولد؟!

#الشيخ_كمال_الخطيب

✍️

قضية #الرزق هي أكثر ما يشغل #الناس ويقضّ مضاجعهم، ولعلّه السبب أن كثيرين من الناس يسلكون مسالك مريبة بل ويتجاوزون حدود #الحلال_والحرام، وأن كثيرين يظلمون ويعتدون بل ويسفكون #الدماء كل ذلك خوفًا من ضياع الرزق أو سعيًا لتحصيله.

✍️ولكن هؤلاء يجهلون أو يتعمّدون تجاهل أن الرزق قد تكفّل به الله سبحانه وهو موكّل به وليس أحد من خلقه، وأن رزق ابن آدم قد قدّره الله سبحانه من يوم نفخ الروح في أحدنا وهو ما يزال جنينًا في أحشاء أمه، قال ﷺ: “إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وعمله وشقيّ أو سعيد..”.

✍️ فالرزق قد أوكله #الله لنفسه وليس لأحد من خلقه حتى لا يخضع مخلوق لمخلوق مثله، ولا يخاف ولا يجزع ولا يذلّ لمخلوق مثله بسبب الرزق، قال سبحانه: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ} آية 3 سورة فاطر، {وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} آية 60 سورة العنكبوت. بل إنه الله سبحانه الذي أقسم بجلاله وعظمته أن رزق العباد مضمون مكتوب مقدّر، {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ*فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} آية 22-23 سورة الذاريات. هذه الآيات لمّا سمعها أعرابي انتفض وقال: “من أغضب الجليل حتى حلف؟ ألم يصدّقوه حتى ألجؤوه إِلى اليمين؟”.

✍️ إنه الله سبحانه الذي عرّف على نفسه وجعل اسمًا من أسمائه الحسنى أنه الرزّاق، {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} آية 58 سورة الذاريات. والرزّاق هي صيغة مبالغة، ومعنى ذلك أنه سبحانه يرزق العباد كل العباد مهما بلغ عددهم، وأنه يرزق الواحد منهم إذا شاء رزقًا وفيرًا بلا حدود. إنه سبحانه يهب ويعطي ما لا يتوقّعه العبد ولا يتصوّره العقل، إنه إذا أعطى أدهش في العطاء، كما يعتقد المسلم أن الله لا شريك له في خلقه، فانه سبحانه لا شريك له في رزقه، وكما أنه لا إله إلا الله، فإنه لا رازق إلا الله.

🔷رزق الأبدان ورزق الأرواح

✍️كثير من الناس من ينحصر فهمهم في أن الرزق هو فقط في الطعام والشراب والمال وما تملأ به البطون، لكن العلماء قالوا غير ذلك، قالوا: “رزق الأبدان بالأطعمة ورزق الأرواح بالمعرفة”.

✍️ فإذا كان الله قد خصّ عبدًا بدخل وفير يأكل به أطيب الطعام، بينما خصّ عبدًا آخر برزق المعرفة والعلم، فاعلم علم اليقين أن من رزقه الله برزق المعرفة فإنه أكثر حظوة عند الله من الذي رزق برزق الأطعمة، فهكذا وصف الله سبحانه رزقه لموسى عليه السلام: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} آية 14 سورة القصص. قال سيدنا الإمام علي كرم الله وجهه: “يا ابن آدم لست مطالبًا بطلب الرزق ولكنك أمرت بطلب الجنّة”. الغريب أن ابن آدم قد ترك ما أمر بطلبه وهي الجنّة، وطلب ما أمر بتركه وهو الرزق مع أن الله تعالى قد ضمنه {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيْءٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} آية 40 سورة الروم، وقال سبحانه: { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} آية 151 سورة الأنعام.

✍️قال العلماء: “إن الله يرزق الأرواح والسرائر كما يرزق الأجساد” فإذا رأيت عبدًا مقيمًا على معصية، فاعلم أنه حُرم رزق المعرفة ورزق الروح، وإن الله يبغضه ويكون البغض أعظم إذا كان العاصي قد تجاوز الكهولة إِلى الشيخوخة كما ورد في الحديث القدسي: “وأبغض العُصاة وبغضي للشيخ العاصي أشدّ”.

✍️ومثلما إنسان يفرح وهو يتهيأ لوجبة طعام شهية يملأ بها بطنه، أو لمبلغ من المال يقع بين يديه يملأ به جيبه وقد رزقه الله إياه، فإن أناسًا يفرحون إذا رزق الله أرواحهم الطاعات. فهذا داوود الطائي يدخل عليه أحد أصدقائه فيجده منبسطًا مسرورًا، فسأله عن السبب فقال: “قد سقاني ربّي البارحة شراب أنسه فأردت أن أجعل اليوم يوم عيد” أي أنه مسرور لطاعات وقيام ليل ومناجاة ﷲ. وعلى العكس من ذلك فقد كان الصالحون يحزنون على ضياع رزق أرواحهم، قال الحسن البصري: “إذا تلوت القرآن وذكرت الله عزّ وجل وصلّيت فلم تجد بِشرًا وانشراحًا فاعلم أنك محجوب، قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} آية 15 سورة المطففين. وإذا قصّر مسلم فلم يقرأ ورده اليومي من القرآن ولم يشعر بخسارة وانقباض، أو إذا قام من نومه وقد أشرقت الشمس فلم يشعر بانقباض قلبه، أي لم يشعر بخسارة رزقه الروحي وخزيه وعاره من الله تعالى، فإنها دلالة مرض في قلبه وجفاف في روحه وقلّة رزقه.

🔷تعرف تجيب ولد مثل هذا ؟!

✍️إن يقين المسلم أن الله هو الرزّاق، يجعله لا يتردد بسؤاله سبحانه لأنه خير مسؤول، وحتى لو كانت حاجته بسيطة وصغيرة ولعلّها في نظره تافهة، فليسأل الله الرزاق وليعوّد لسانه الطلب منه سبحانه.

✍️إن موسى عليه السلام قال وهو يناجي ربّه: “يا ربّ إني لتعرض لي الحاجة الصغيرة أحيانًا أفأطلبها منك أم أطلبها من غيرك؟ فأوحى الله إليه، يا موسى لا تسأل غيري”.

✍️فإذا كنت في همّ وبلاء فقل يا ربّ فرجك، وإذا كنت في دين أثقلك فقل يا ربّ أعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، وإذا كنت في تنافر مع زوجتك فقل يا ربّ حسّن خلقي وخلقها، وإذا ابتليت بجار مؤذٍ فقل يا ربّ لطّفه، وإذا ابتليت بولد منحرف فقل يا ربّ أدّبه.

✍️وإياك ووسوسة الشيطان يجعلك تقول إنني أستحي من الله أن أطلب منه كلّ شيء وأي شيء، فقد ورد: “ليسأل أحدكم ربّه حاجته حتى يسأله ملح طعامه، وحتى يسأله شسع نعله إذا انقطع”. وكيف تستحي أن تطلب من ربّك الرزّاق وهو الذي يستحي جلّ جلاله من العبد إذا سأله أن يردّه خائبًا، قال ﷺ: “إن الله ليستحي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله فيهما خيرًا فيردّهما خائبتين”.

✍️إنه الله سبحانه ليس مثل عباده، فالعبد إذا سألته يغضب وإذا كنت لحوحًا يغضب أكثر، بينما الله الرزّاق يغضب إذا لم تسأله ويفرح إذا كنت لحوحًا في سؤالك.

لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب

الله يغضب إن تركت سؤاله وترى ابن آدم حين يُسأل يغضب

✍️إنه الله سبحانه الذي يخاطبك في آية من ثلاث كلمات {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} آية 60 سورة غافر. يقول الدكتور حسان شمسي باشا عن هذه الآية في كتابه الرائع وهو من أحدث إصداراته -العيش مع الله-: إنه الله سبحانه لم يضع لك شروطًا للدعاء، ولم يضع لك حدودًا ولا سقفًا لدعائك. علّمك فيها أنه قريب منك، يسمعك إذا ناجيته، بصير بهمومك وآهاتك، يجيب دعواتك ولا يخيّب لك رجاء، فتواضع بكل شيء إلا الدعاء ولا تقنط أبدًا من رحمة الله.

✍️هذا رجل ثريّ من كبار تجار الأراضي تزوّج منذ 20 سنة إلا أنه لم ينجب، طرق كل الأبواب وأتى العديد من الأطباء يريد أن يسمع كلمة -يا أبي- قبل أن يموت، لكن ربّك عزّ وجل أراد غير ذلك.

يقول: بينما كنت ذات مرة أبيع وأشتري قطعة من الأرض وحولي التجار وحقائب الأموال، دخل طفل صغير وهو ابن لأحد التجار فلمّا رآه أبوه سُرّ به ومازحه ثم نظر إليّ وأنا محروم من الولد وهو لا يدري، فطبطب على ظهر ولده ونظر إليّ وقال: تعرف تجيب ولد مثل هذا؟

يقول صاحبنا: نزلت الكلمة على قلبي كالرعد، أظلمت الدنيا في وجهي، نسيت الأموال ونسيت التجارة ونسيت كل شيء، فسِرت هائمًا على وجهي لا أدري أين أسير. كانت الساعة الحادية عشرة ليلًا، سرت ربع ساعة فإذا بي أصحو في مكان موحش، عن يميني أراضٍ زراعية وعن يساري مقابر، الدموع تبلّل وجنتي وأنا أنظر إلى السماء، ترنّ في أذني كلمة ذلك الرجل: تعرف تجيب ولد مثل هذا؟. رفعت يديّ إلى السماء في تضرّع وانكسار وافتقار إِلى الله جلّ في علاه، أجهشت بالبكاء وأنا أردد: يا ربّ أنا لا أقدر ولكن أنت تقدر، يا ربّ هبني ولدًا واحدًا من عندك، يا ربّ..يا ربّ..يا ربّ.

يقسم صاحبنا أنه ما مضت تسعة أشهر إلا وجاءت البشارة فرزقه الله توأمين من الذكور. فإن كنت تريد ولدًا فقلها من قلب صادق: يا ربّ، وإن كنت تريدين زوجًا فقولي: يا ربّ، وإن كنت تريد مالًا فقل: يا ربّ، فما خاب من قال يا ربّ”.

🔷ربٌّ إذا ناديته ما ضيّعك

✍️يظنّ بعض الناس أن الرزق متعلق ومرتبط بالذكاء والفهلوة، فتجد بعض من يرزقهم الرزّاق لا يشكرون الله تعالى وإنما ينسبون ذلك لأنفسهم “هذا المال أجا بشطارتي”. إنهم يقولون ما قاله قارون {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} آية 78 سورة القصص. فقد ترى إنسانًا ذكيًا جدًا ورزقه قليل أو غير موفق في الرزق، بينما تجد إنسانًا ساذجًا أو بسيطًا ولعلّه أميّ لا يقرأ ولكن رزقه وفير، وما أجمل ما قال الشاعر:

لو كانت الأرزاق تجري على الحجا هلكن إذًا من جهلهن البهائم

✍️قال ﷺ: “لو أنكم تتوكّلون على الله حقّ توكله لرزقهم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا”.

✍️صحيح أن الرزق غير مرتبط بالذكاء والبساطة ولكن الله جعل من أسباب رزقه الطاعات من العباد، {وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا} آية 16 سورة الجنّ، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} آية 96 سورة الأعراف. وعلى العكس منها فإن من أسباب ضياع الرزق معاصي العبد، كما قال ﷺ:” قد يُحرم المرء بعض الرزق في المعصية”.

✍️يقول فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي: “قد تُرزق من حيث لا تحتسب، قد ترزق بسبب تافه جدًا، قد ترزق بنظرة، قد ترزق برسالة جاءتك خطأ، قد ترزق ببضاعة كاسدة.

سمعت أن أحد تجار الجملة في سوق البازورية في دمشق وخلال الحرب العالمية الثانية وقد أوشى به تجار آخرون بأنه باع السكر بسعر يزيد على ما هو متفق ومتعارف عليه، فداهمت “الضابطة الجمركية” الجهة المسؤولة المتجر وأغلقته بالشمع الأحمر على ما فيه من كميات كبيرة من السكر. وبعد أن انتهت الحرب بعد عدة أشهر وإذا بسعر السكر يتضاعف مئة ضعف، فاغتنى إلى ولد ولده كما يقولون. فلكأن الله سبحانه قدّر أن تكون الوشاية سببًا في إغلاق مخزنه والحفاظ على ما فيه لليوم الذي سترتفع الأسعار فيغتني الرجل، وهذا ما كان.

وإذا نظرت إلى السماء مناجيًا ورجوت ربك أن يحقق مأملك

لا تجزعنّ من الحياة وضيقها حاشاه رحمن السماء أن يخذلك

ولو اطلعت على الغيوب ولطفها لعلمت أن الخير فيما اختار لك

وإذا الشدائد أقبلت بجنودها والدهر من بعد المسرّة أوجعك

ارفع يديك إلى السماء ففوقها ربّ إذا ناديته ما ضيّعك

🔷 كيف أكون في بيته وأسأل أحدًا غيره

✍️إن اليقين بأن الرزّاق والمعطي هو الله سبحانه وليس أحد من خلقه، فإنه يورث في النفس الطمأنينة والرضى.

✍️توفي أحد العارفين فرؤيت زوجته مطمئنة غير جزعة ولا نائحة، فقيل لها: نراك مطمئنة كأن زوجك الذي كان يرزقك لم يمت، فقالت: إني عرفت زوجي أكّالًا ولم أعرفه رزّاقًا، فإذا ذهب الأكّال بقي الرزّاق سبحانه”.

✍️وقد قيل أن الصديق أبا بكر رضي الله عنه ما ندم على شيء فاته من الدنيا قطّ، وإنما كان على يقين أن لو كان هذا رزقًا له لأتاه صاغرًا.

✍️إن أكثر أمراض الناس من الهموم والغموم على الدنيا وفوات فرص فيها، وإن أكثر أسباب الخلافات والخصومات ما بين الناس بل بين الأقارب والجيران هي على الدنيا، وإن أعظم أسباب الجرائم والقتل هي على الدنيا والأموال والربا وتجارة المخدرات، لأن اليقين بالرزّاق الله تعالى غير حاضر في نفوس الناس.

✍️إن اليقين بالرزّاق والمعطي سبحانه تعلّم المسلم عزّة النفس. فهذا سليمان بن عبد الملك وقد التقى بعالم جليل في المسجد الحرام، فأراد الخليفة أن يكرم العالم، فقال له: سلني حاجتك. فقال له العالم: والله إني لا أسأل غير الله في بيت الله، فكيف أكون في بيته وأسأل أحدًا من خلقه؟ وبعدها التقى به خارج المسجد الحرام فقال له الخليفة: سلني حاجتك، قال: والله ما سألتها من يملكها فكيف أسألها من لا يملكها؟ فلمّا أصرّ عليه قال: أطلب منك الجنة، قال: هذه ليست لي، قال: إذا ليس لي عندك حاجة”.

🔷لا والله ومعاذ الله وحاشا الله

✍️إنها 40 سنة مرّت من يوم أن ألقى إخوة يوسف بأخيهم في غيابة الجبّ {قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} آية 10 سورة يوسف، إلى أن كان اليوم الذي التقى يوسف بأبيه يعقوب وقد رفعه ليجلسه إلى جانبه على عرش مصر {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} آية 100 سورة يوسف.

✍️نعم لقد أعاد الله يوسف إلى يعقوب بعد سنوات الغياب والوجع، لكنه عاد بقوة السلطان وعزة الملك. عاد وأرزاق مصر كلها تحت تصرّفه وإمرته، فلا تباع حبة قمح في مصر إلا بإذنه. نعم قد تطول المحنة ويطول البلاء ليكبر الجزاء وتكون لذّة العطاء.

✍️فلو قدّر الله ليوسف أن يفرّج كربه من غيابة الجبّ ويرجع إِلى أبيه يومها فكيف ستؤول إليه خزائن مصر؟. صحيح أن سنوات الغياب كان فيها ما فيها من ألم يعقوب وفقدان بصره، وكان فيها محنة يوسف في قصر امرأة العزيز ومحنته في السجن، لكن ذلك كلّه كان بتدبير العليم الخبير لتتهيأ كل الظروف ليوسف لأن يصبح عزيز مصر، فلم تذهب الأوجاع والدموع هدرًا.

✍️فهل يظنّ عاقل أن تذهب دموع ودماء أطفال ونساء وشيوخ غزة هدرًا؟ أليس الله كان قادرًا أن ينهي هذه الفصول والرحلة الطويلة من الآلام؟ بلى ولكنه سبحانه اختار غير ذلك لعلمه أن في هذا الخير، كما علم أن بمحنة يوسف المستمرة والمتوالية يكون فيها الخير بل كل الخير، ليس له وحده بل لكل أهله.

✍️فيا أهلنا وأبناء شعبنا في غزة، يا من سالت دماؤكم وهدّمت بيوتكم وذرفتم الدموع من مآقيكم، إنَّ هذا لن يضيع عند الله، لا والله ومعاذ الله وحاشا الله.

وإنما هي أقدار وتدابير وحكمة يقدّرها ويدبّرها العليم الخبير، فثقوا بوعد الله واطمئنوا فلن يكون في ملك الله إلا ما يريده الله سبحانه.

✍️وإننا مطمئنون وواثقون أن دموعكم ودماءكم وآلامكم وزفراتكم ستكون سُرُجًا ومنارات تضيء ليل وعتمة الأمة كلّها، وترصف وتعبّد طريق حريّتها ومجدها الآتي، وإن غدًا لناظره قريب.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى