
بُشريات برايات للحق ترفع وأنظمة للباطل تخلع
#الشيخ_كمال_خطيب
ونحن ما نزال نعيش نفحات ذكرى مولد حبيبنا محمد ﷺ، النفحات التي تدبّ فيها الروح وتبعث فينا الأمل وتكون دافعنا للعمل إحياء ونصرة لرسالة ودعوة محمد ﷺ سراج الله المنير ورحمة الله للعالمين.
ذكراك فجر خالد يتجدد يفنى الأنام وكل يوم تولد
وتظلّ تحضنك القلوب فحسبها أن يستظل بها الحبيب محمد
ذكرى مولدك يا حبيبنا ورغم ذنوبنا ومعاصينا ورغم عقوقنا وبعدنا عن هديك، إلا أنها تبعث الأمل، حتى فيمن تسمّوا باسمك وعصوك، أن ينالهم بركة الانتساب إليك كما قال أحمد شوقي:
يا أحمد الخير لي جاه بتسميتي وكيف لا يتسامى بالنبي سمي
إن جلّ ذنبي عن الغفران لي أمل بالله يجعلني في خير معتصم
ذكرى مولدك يا حبيب الله يا حبيبنا، تذكرنا بأولئك الذين أحبوك وعشقوك ويود أحدهم أن يفتديك بنفسه وماله وأهله يقدمها عربون وفاء لعله أن يحظى يوم القيامة بصحبتك والورود على حوضك ونيل شفاعتك. هذا اللقاء الموعود على الحوض المورود جعلت أحد محبيك وهو محمد إقبال رحمه الله، أن يحسب لذلك اليوم ألف ألف حساب وهو يناجي الله فيقول: “اللهم وإن كنت محاسبي يوم القيامة فحاسبني بنجوة من حبيبي محمد ﷺ، فأنا أستحي أن أكون من أمته وأنا الذي كنت في الدنيا قد عصيته”.
ذكرى مولدك يا حبيب الله يا حبيبنا، وهي تحلّ علينا وأمتك أصابها ما أصابها من الضرّ والبلاء من كيد الأعداء وخذلان الأشقاء، جعلت أحد أبنائها المخلصين يبثّ إليك الشكوى من الوجع والقهر، لكن بشاراتك يا رسول الله جعلته وجعلت كل محبيك على يقين أن هذا الحال لن يدوم وأن بعد الليل فجرًا وبعد العسر يسرًا وبعد الكرب فرجًا كما قلت ووعدت بأبي أنت وأمي يا رسول الله.
يا سيد الرسل وجدٌ في القلوب سرى فاسترسل الشوق يعصرنا ويكوينا
لا شيء نملكه إلا محبتكم نرجو بها نسبًا بين المحبينا
يا أكرم الخلق لا فرح يداعبنا والريح تزأر حمقى في أراضينا
والعين تلمح أعداء لنا مكروا قد أشعلوا النار في ذرى روابينا
يهدمون صروح الخير ما وسعت يد الدمار ليبنوا من مغانينا
فلتعصفي يا رياح الشرّ إن لنا جبالًا شهبًا على الساحات تنجينا
هذه الدماء التي تجري مطهّرة ستنبت الشوك في الأحشاء غسلينا
الله أكبر إن الله منتصر للحق في أرضنا فامضوا ملبينا
🔷هات يدك أقبلها
إن هذا الحب الذي أودعه الله تعالى في قلوب #المسلمين لرسوله ﷺ على مدار الأجيال، هذا حبّ لا يذهب بالتقادم وإنما هو الحبّ الذي دائمًا يتجدد ويتنوع، لأن من أحبوا رسول الله علموا أن حبّ #رسول_الله_ﷺ هو الطريق الأقصر لنيل حبّ الله تعالى الذي قال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} آية 31 سورة آل عمران.
إنها قصة محب لرسول الله ﷺ دونتها الكتب حتى لكأنها ضرب من الخيال. إنه العالم والقاضي والشاعر يوسف بن إسماعيل النبهاني الذي ولد في قرية إجزم جنوب حيفا سنة 1850 ميلادي نهاية حقبة الدولة العثمانية، وكان والده عالمًا جليلًا فقد أرسله إِلى الأزهر في مصر وتلقّى العلوم ثم أخذ يتنقل في سلك الدعوة والقضاء الشرعي في العديد من البلدان الإسلامية الخاضعة للدولة العثمانية وكان آخرها أنه أشغل رئيس محكمة الحقوق في بيروت.
في العام 1910. بينما أحد الشباب يمشي في السوق في بيروت وإذا به يسمع رجلًا ولسبب لا يعرفه يشتم رسول الله ﷺ فما كان من ذلك الشاب إلا أن دخل دكانًا لبيع السكاكين وسحب منه سكينًا وطعن به ذلك الرجل الذي شتم رسول الله ﷺ فأرداه قتيلًا.
ألقي القبض عليه وأودع السجن، وبعد مداولات وصلت القضية إلى محكمة جنايات بيروت التي كان يرأسها القاضي يوسف النبهاني. كانت الجلسة علنية والقاعة مكتظة بالناس والشاب القاتل في قفص الاعتقال، فسأل القاضي الشاب: لماذا قتلت الرجل؟ لم ينكر الشاب فعلته وإنما قال: يا سيدي، سمعته يشتم رسول الله ﷺ وإنني أحب وأعشق رسول الله ﷺ فانتصرت لحبيبي رسول الله ﷺ.
دخل القاضي غرفته ثم ما لبث أن دخل إلى قاعة المحكمة وتلا قرار الحكم قائلًا: حكمت عليك المحكمة بالأشغال الشاقة “15 سنة” لارتكابك جناية القتل عمدًا، ولكن ولإسقاط الحقّ الشخصي، فقد تم تخفيف العقوبة إلى النصف، ولأسباب تقديرية تراها المحكمة فقد تم الاكتفاء بمدة توقيفك، انتهى القرار.
التفت القاضي إلى الشرطي قائلًا له: فكّ قيد المحكوم وأطلق سراحه، ثم نزل القاضي من مكانه المخصّص له واقترب من الشاب المحكوم والقاتل وقال له: يا ابني بأي يد قتلت من شتم حبيبنا رسول الله ﷺ؟ فقال الشاب: بيدي اليمنى يا حضرة القاضي. قال له القاضي: يا ابني مدّ يدك اليمنى، فمدّ الشاب يده فأمسكها القاضي وقبّلها وهو يبكي ويقول: وكيف لا أقبّل يدًا انتصرت لرسول الله وبكى الحاضرون في القاعة.
وصل الخبر إلى المحكمة العدلية في بيروت الذين أرسلوا إلى وزير العدل يحدّثونه أن القاضي يوسف النبهاني يقبّل يد القاتل، فصدر قرار بنقله من بيروت إلى المدينة المنورة التي طالما كان يدعو الله ويلّح عليه بالدعاء والبكاء أن يرزقه في آخر عمره أن يجاور قبر حبيبه محمد ﷺ، وانتقل إلى المدينة قاضيًا ومجاورًا عدة سنوات حتى كانت الحرب العالمية الأولى، فعاد إلى قريته إجزم وبقي فيها وتوفي فيها في رمضان من العام 1932.
🔷كيف كان يربط الرسول الحجر على بطنه؟
وكيف لا يبكي المحبّون شوقًا لرسول الله ﷺ، وكيف لا ينتصرون لمقامه الشريف ممن تطاول عليه وكل مسلم يعلم كيف وكم كان يبكي رسول الله ﷺ متألمًا على حال المسلمين أفرادًا وأمة.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ تلا قول الله تعالى في إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} آية 36 سورة إبراهيم، وقول الله في عيسى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} آية 118 سورة المائدة، ثم رفع يديه ﷺ إلى السماء وقال وهو يبكي: “اللهم أمتي اللهم أمتي، فقال الله تعالى لجبريل عليه السلام: يا جبريل اذهب إلى محمد وربك يعلم فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله فأخبره ﷺ ورجع إِلى ربه فقال له: يا جبريل ارجع إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك”.
ومثلما بكى رسول الله ﷺ خوفًا على أمته يوم القيامة من عذاب النار، فإنه كان يبكي ويتوجع ﷺ شفقة وحنانًا ورأفة على ما أصاب أصحابه من مرض وبلاء. فقد ورد في صحيح البخاري أن سعد بن عبادة رضي الله عنه اشتكى فدخل عليه ﷺ فوجده في غاشية أهله، فقال: قد قضى، قالوا: لا يا رسول الله، فبكى النبي ﷺ وبكى الصحابة لبكائه صلوات ربي وسلامه عليه.
وبكى صلوات ربي وسلامه عليه عند مقتل عمه حمزة بن عبد المطلب، وعند مقتل جعفر ابن عمه، وبكى عند وفاة ابنه الصغير إبراهيم، وبكى عند وفاة طفل لإحدى بناته، وكان إذا صلى سُمع من صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، وكان أصحابه الكرام رضي الله عنهم يبكون لبكائه.
فكيف يا ترى سيكون حاله صلوات ربي وسلامه عليه إذا رأى محبيه والمشتاقين إليه يموتون جوعًا في غزة ليقول قائلهم دلّونا أيها العلماء كيف كان النبي ﷺ يربط الحجر على بطنه من الجوع لنفعل مثله فإننا والله جائعون، وكيف سيكون حاله ﷺ وهو يرى الأطفال الصغار في عمر ابنه إبراهيم وفي عمر حفيده يموتون جوعًا ومرضًا ويموتون قتلًا وقد تمزّقت أجسادهم الغضّة بالصواريخ وقذائف المدافع والدبابات؟
بل كيف سيكون حاله ﷺ وهو يرى من أمته ومن ينتسبون إليه يرقصون ويغنّون ويتمايلون طربًا بينما إخوة لهم من أمة محمد ﷺ يتساقطون جوعًا وقتلًا؟ ألا يبكيه ﷺ وهو يسمع لجوعى ومشردين وأيتام وقد خذلهم العرب والمسلمون يقولون: “يا رسول الله لا تشفع يوم القيامة لمن خذلونا، يا رسول الله لا تشفع يوم القيامة لمن حاصرونا وأغلقوا المعابر في وجوهنا، يا رسول الله لا تشفع يوم القيامة لمن تآمروا علينا”.
🔷ولا تهنوا ولا تحزنوا
بعد البلاء العظيم الذي أصاب المسلمين يوم أُحد وبعد إذ انقلب النصر في أول المعركة إلى هزيمة بعد نزول الرماة من مواقعهم مخالفين أمر رسول الله ﷺ، كانت النتيجة مؤلمة والثمن غاليًا، وكيف لا وقد قُتل من أصحاب رسول الله ﷺ سبعون من خيرة أصحابه، وكيف لا وقد جُرح وجهه الشريف ﷺ وكسرت أسنانه، وكيف لا وقد ترددت إشاعة مقتله ﷺ وما كان لذلك من أثر على أصحابه، وكيف لا وقد أصبح أبو سفيان ينادي بأعلى صوته: “أُعل هبل أُعل هبل” نكاية وشماتة برسول الله ﷺ، بل وكيف لا وقد كانت المرأة من المسلمين تجيء بزوجها وابنها مقتولين وهي تبكي، فقال: ﷺ يا رب أهكذا يُفعل برسولك؟!
فخلال هذه الهزة المعنوية الشديدة، وخلال هذه الخسائر الفادحة، وخلال نشوة الغرور أصابت كفار قريش، وخلال شماتة المنافقين واستهزائهم بما حصل للمسلمين، وخلال مظاهر الحزن بدت على وجه رسول الله ﷺ وإذا بهذه الآيات تنزل وكأنها الخبر العاجل الذي يأتي في تلك الظروف الصعبة، إنه قول الله تعالى: {هٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} آية 137-141 آل عمران.
✍️فبعد الحزن والوهن، وبعد الشهداء وصلف وشماتة الأعداء وخذلان المنافقين الذين انسحبوا بثلث الجيش، بعد هذا كلّه جاء البيان الرباني والخبر العاجل مطمئنًا ومواسيًا بل ومبشرًا أن يومًا لك ويومًا عليك {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}. ✍️إن ما أصاب المسلمين يوم أحد وما نزل من البيان الربّاني والخبر العاجل الذي نزل من السماء يطمئن ويبشّر، فمثله كان يوم تواردت الأخبار عن نصر الفرس عبّاد النار على الروم النصارى وما كان من شماتة كفار قريش وما كان من حزن من المسلمين والحال كذلك، وإذ ببيان السماء والخبر العاجل يأتي ليقول: {المغُلِبَتِ الرُّومُفِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَفِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَبِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُوَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} آية1-6 سورة الروم.
✍️ وإن ما كان يصلح يومها فإنه يصلح اليوم وفي كل يوم، فرغم الواقع الصعب الذي تعيشه الأمة، رغم تسلّط الأعداء وخذلان الأشقاء، رغم إشاعات الطابور الخامس من المنافقين والمخذّلين، فإيانا أن نحزن أو أن نجزع أو نهون {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، فإننا والله بين يديّ أمر من عند الله سبحانه يقلب الموازين ويعيد ترتيب الأوراق المبعثرة.
✍️فما أكثرها المبشّرات ستأتينا من هنا وهناك، ما أكثرها الأخبار العاجلة من مشارق بلاد العرب والمسلمين ومغاربها ستنقل إلينا متغيّرات لم تكن بالحسبان وكان يظنّها الناس من المستحيلات. إنها تبشّرنا عن رايات للحق وللإسلام سترفع وعن أنظمة للباطل ستخلع وإن غدًا لناظره قريب.
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعًا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلمّا استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنّها لا تفرج
🤲اللهم لا تأتي ذكرى مولد حبيبك محمد ﷺ في العام القادم إلا وقد جعلت لأمته مخرجًا وفرجًا، إلا وقد بدّلت عسرها يسرًا وذلّها عزًا وضعفها قوة وكربها فرجًا يا رب العالمين.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.