
#الشعر_العربي يحرس #القيم
#زيد_الطهراوي
لقد اهتم الشعراء بالشعر الذي يحض على مكارم الأخلاق و وجدوا في الشعر خير معبر عن أهمية الأخلاق في المجتمع فحسن الخلق قبل كل شيء قربة إلى الله تعالى فقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : ” أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقا “
و قد كتب أحمد شوقي شعرا كثيرا عن الأخلاق فأبدع و لكنَّ بيتاً واحداً من هذا الشعر الكثير اشتهر أكثر من غيره و أصبح على كل لسان و هو بيته الفريد :
و إنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
و نلاحظ هنا الطباق “بقيت/ذهبوا” و جرس الألفاظ
و هو بهذا البيت يجمع بين الجزالة و الحكمة فخبرة الشاعر في هذا الحياة أوصلته إلى حقيقة خطيرة جدا و هي : أن سوء الخلق مفسدة عظيمة تهدم البلدان و المجتمعات
و ها هو ذا أبو الفتح البستي ينهى عن الاهتمام بالجسد بتزيينه فيكون الاهتمام بالمظهر الخارجي و لعله يقصد عدم الاهتمام بزينة هذه الحياة الدنيا من مال و عقار و ينصح بالاهتمام بالنفس و تهذيبها و غرس الأخلاق الفاضلة فيها فبأخلاقك تسمو في الدنيا و الآخرة لا بمظهرك الخارجي يقول شاعرنا :
يا خادمَ الجسم كم تشقـى بِخدمته
أتطلب الربح فيمـا فيـه خُسرانُ
أقْبِلْ على النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ
و ربما يسأل سأل سائل عن كيفية الوصول إلى الخلق الحسن خاصة إذا كانت هناك خصلة سيئة في النفس كالغضب و العجب و التسرع و كانت هذه الخصلة متشبثة بالنفس و كأنها عادة فيأتيه الجواب من الشاعر الحكيم أبي تمام :
فلم أجد الأخلاق إلا تخلقا
ولم أجد الأفضال إلا تفضُلا
فهو يؤكد أن الوصول إلى الخلق الحسن ليس سهلا و لكن خصال الخير من حلم و تواضع و أناة بحاجة إلى ممارسة و تمرن فيتعب المرء في البدء ثم يجد مبتغاه بإذن الله
و لقد غرس الحسد أنيابه في كثير من المجتمعات فأضر بها و بمصالحها و أدى إلى انتشار العداوات و المفاسد العظيمة فيها
فنظم الشعراء أبياتاً تظهر خطورة الحسد و مفاسده
فمما ينسب للإمام الشافعي :
و داريتُ كلَّ النَّاسِ لكنَّ حاسدي
مُداراتُهُ عَزَّتْ و عزَّ مَنالّها
و كيف يُداري المرءُ حاسـدَ نعمةٍ
اذا كان لا يُرضيهِ الّا زوالُها
الحاسد إذن يشهر عداوته و يظهر سوء نيته و لا مجال للمسالمة إلا إذا زالت النعمة عن خصمه فكيف يمكن للمرء أن يحيا بأمان مع حاسده و بهذا تضعف العلاقات الأخوية و يضعف المجتمع الإسلامي و العلاج هو تطهير القلب و السلوك من الحسد فلقد نهى النبي عن التحاسد و التباغض و عن السلوكيات التي تؤدي إلى كره المسلم لأخيه المسلم سواء كانت في المعاملة الشخصية او التجارية
و يشرح أبو الفرج المعافى بن زكريا النهرواني مخاطر الحسد العظيمة التي تعلو على مخاطر الإيذاء و العداوات و هو بذلك يدخل إلى أعماق النفس البشرية ليؤكد أن الحسد في حقيقته ما هو إلا اعتراض على الله تعالى فالله حكيم في توزيع النعم على خلقه و الحسد هو تضجر من حصول النعم لهذا العبد فهو في حقيقته تضجر من فعل الله و اعتراض على حكمة الله فيقول ابو الفرج :
ألا قل لمن كان لي حاسدا … أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله سبحانه … لأنك لم ترض لى ما وهب
فجازاك عني بـأن زادني … وسد عليك وجوه الطلب
و هناك شعراء اهتموا بشعر المديح كثيرا و منهم من كان كاذبا في مدحه و منهم من يمدح من أجل كسب المال فأثر ذلك على سمعتهم و قد نهى الإسلام عن المدح سواء كان كلاما عاديا في وجه الممدوح أو كان شعرا لأن مفاسد المدح عظيمة فقد يغتر الممدوح بنفسه و يتكبر فيُغضب الله تبارك و تعالى
أما النجاشي الحارثي فإنه يؤكد على أنه لا يمدح شخصا لا يستحق المدح و هو بهذا يخرج من دائرة الكذب و لكنه يبقى في دائرة المدح الذي تُخشى مفاسده
يقول النجاشي الحارثي :
لا تَحْمَدَنَّ امْرَءاً حتَى تُجَرّبَهُ
وَلاَ تَذُمَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُهُ الخَبَرُ
إنّي امْرؤٌ قَلَّمَا أُثَنِي عَلَى أحَدٍ
حَتَّى أرَى بَعْضَ مَا يَأتِي وَمَا يَذَرُ
و ينبغي على من حسُن خلقه أن يسمو على السفهاء فلا ينهمك معهم في الجدال و الشتائم بل يعرض عن إجابتهم بمثل إساءتهم و كل ما ازدادوا سفاهة و غضباً و عنفاً ازداد هو حِلماً و يشبه الشافعي نفسه بعود الطيب الذي ينشر رائحته العبقة أكثر كلما احترق أكثر
فمما ينسب للإمام الشافعي :
يخاطبني السفيه بكل قبــــــــــــح فــأكـــــــــــــــــــــــــره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلمــــــــــــــــــــــــا
كعـــود زاده الإحـــــــــــــــــــــراق طيبا
و قول الشافعي هنا : “يزيد سفاهة فأزيد حلماً” فيه مقابلة بديعة و هذا يدل على بلاغته
أما الرفق فهو من أحسن الأخلاق التي تنبت في سلوك المسلم و هو ضد العنف و يوضح أبو العتاهية محاسن الرفق بأنه يأتي بالمصالح العظيمة التي لا يأتي بها العنف و الحمق
فيقول :
الرّفْقُ يَبلُغُ ما لا يَبلُغُ الخَرَقُ
وقلَّ في الناسِ منْ يصفُو لهُ خُلُقُ
و يمدح زهير بن أبي سلمى الصدق الذي هو من أخص صفات المؤمن الحق و يذم الكذب الذي هو من أخص صفات المنافق فيقول :
ما أحسنَ الصدق في الدنيا لقائله
وأقبحَ الكذبِ عند الله والناسِ
و يعلن حاتم الطائي براءته من صفة الشتم التي هي فسوق و يبرأ كذلك من صفة إخلاف الوعد التي هي من صفات المنافق فيقول :
وما من شيمتي شتم ابن عمي
وما أنا مخلف من يرتجيني
و هو يؤكد على أن الكرم من أسباب السيادة فيقول :
يقولون لي: أهلكتَ مالَكَ فاقتصدْ // وما كنتُ، لولا ما يقولون سيّدا
و يذم الحكيم بن قنبر من لا يصلح عيب نفسه و ينشغل بعيوب الناس فيقول :
وَمَطرُوفَةٌ عَيْنَاهُ عَنْ عَيْبِ نَفْسِهِ … وَلَوْ بَانَ عَيْبٌ مِنْ أَخِيهِ لَأَبْصَرَا
و قال أحد الشعراء :
وَلَوْ كَانَ ذَا الْإِنْسَانُ يُنْصِفُ نَفْسَهُ … لَأَمْسَكَ عَنْ عَيْبِ الصَّدِيقِ وَقَصَّرَا
و يذم إيليا أبو ماضي الكبر الذي هو من أسوء الأخلاق ببيت بليغ فيقول :
يا أَخي لا تَمِل بِوَجهِكَ عَنّي
ما أَنا فَحمَة وَلا أَنتَ فَرقَد
و هكذا يُدافع الشعر عن نفسه واضعاً اهتمام الشعراء بالأخلاق و حضهم عليها و توضيح محاسنها أمام المهتمين ليؤكد أن الشعر فنٌّ و حكمةٌ و مواعظ بليغة