الشباب بين التطرف الناعم والمرض النفسي

الشباب بين التطرف الناعم والمرض النفسي
جهاد أحمد مساعده

لا يزال الشباب الحلقة المهمة في المنظومة المجتمعية، لذلك فإنه من الواجب حمايتهم من منزلقات التطرف والإرهاب؛ ليكونوا صمام الأمان للوطن من أي أفكار دخيلة عليه.
الخطورة تكمن عندما يشذ بعض الشباب عن الدور المؤمل منهم، ليكونوا هم المغذي لفكر التطرف ونشر الكراهية والألفاظ البذيئة، إما جهلاً أو قصوراً في إدراكهم لخطورة ما يقومون به.
أزمة الكورونا شكلت ضغوط نفسية لدى الكثير من أفراد المجتمع، وخاصة جيل الشباب الذي يتسم بالقوة والعنفوان، والذي يخضع الآن إلى حجر إجباري من قبل الدولة خوفًا على صحتهم.
الأزمات النفسية لدى البعض مثلت له مصدرًا للتغذية الفكرية الإيجابية أو السلبية، ولكن المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي يجد أن هناك فئاتٍ كثيرةً تبث الطمأنينة للمجتمع، وبالمقابل يجد فئة شاذة أصبحت تأخذ نهج التطرف بكل أشكاله وأنواعه.
مجموعات الفزعة على صفحات التواصل الاجتماعي، أصبحت تبث لغة الحقد والكراهية يديرها شخص حاقد أو مجموعة من الحاقدين، هدفها إثارة بعض القضايا الجدلية، فهذه الفئة لها لون قاتم كقلوبهم السوداء، تقود إلى نتيجة واحدة هي: أكون أو لا أكون.
بعض الشباب أصبحوا في زمن الكورونا مصدراً للتطرف الناعم الذي يتراكم يوما بعد يوم، ويتسلل إلى وعي الناس دون أن يدركوا خطورة ما يجري، ومن هي الجهات التي تحركهم.
مصادر التطرف الناعم على وسائل التواصل الاجتماعي لها حضورها، والخطورة تكمن في الحشود الافتراضية التي تهاجم أشخاصا أو مؤسسات معينة، ما نشاهده اليوم، وما نعيشه على وسائل التواصل الاجتماعي هو جزء من قوة العرض وتصفية الحسابات الشخصية، أو الطمع في استلام مسؤولية تلك المؤسسة أو غيرها.
نلاحظ أن هناك أطرًا شاذة تزرع في وعي الشباب كيف يفكرون ويصدرون الأحكام، ويفسرون الموضوعات على أهوائهم، فهناك ثمة آلة تطرف ناعمة تعمل دون توقف على غرس بذور الكراهية والحقد، وهدم المؤسسات والتقليل من عملها.
إن المتمعن على ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي سيجد أصنافًا من البشر منهم ما يتصف بخصال متباينة، فتجد فيهم الأنانية والقسوة، وترى النزاهة والطموح، كما تجد ببعضهم الحمق وغرابة الأطوار.
إن البشر هم خليط معقد من الخير والشر، وبذلك يجب هنا أن نتساءل ما السبب في نشرهم للعنف والكراهية ونشرهم للكلام البذيء؟ وما هي الطبيعة والبنية السيكولوجية لهؤلاء الأفراد؟
في الحقيقة أن هذا الأمر أشغل بال المهتمين بمجالي علم النفس وعلم الاجتماع لمحاولة تفسير أسباب هذه الظواهر.
توصل العلماء إلى أن من هؤلاء من لديه الرغبة الجامحة بأن يلعب دور المعارضة للهجوم على الدولة لأجل الوصول، وأن يشغل منصبًا في الدولة، ومنهم من يعارض حتى يبتز مسؤول أو مؤسسة، وهذه هي المعارضة المصلحية المرفوضة شكلا ومضمونا، وهذه الفئة تعارض أي عمل لتثبت أنها موجودة وحتى يتذكرها صاحب القرار، هذه المعارضة هي الموجودة الآن على وسائل التواصل.
ما يؤلم حقا هو أن هذه الفئة استفادت كثيرًا من الدولة، وعندما ينفد ما حصلت عليه، أو تفشل في عملها تعود من جديد للمعارضة والهجوم، فالذي يهاجم على منابر التواصل الاجتماعي عليه أن يسأل نفسه ماذا قدم للوطن.
فإذا أردنا أن نعارض فقط فالمعارضة لها أصولها ومبادئها وأعرافها، ولا يجب أن يكون بعض الأفراد معارضين من أجل استلام منصب معين، أو التقليل من جهود الآخرين، لذا فإن استخدام هذه الفئة من المرضى النفسيين لوسائل التواصل الاجتماعي يهدد مجتمعنا.
إن نشر الأكاذيب وبث العنف والكراهية والإشاعات واتباع أسلوب الغمز واللمز أصبح عند أولئك المرضى قيم حميدة، وعندهم اعتقاد أن كل ما يتكلمون به هو الصحيح، وإن الاختلاف في العمل أو وجهات النظر معهم جريمة.
إن المعرفة القليلة شيء خطير، حتى لو امتلك الشخص منهم شهادة دراسية عليا، فهناك كثير منهم يمتازون بالحمق ولا يعرفون إلا الانضمام إلى حملات السلخ والجلد، وهم بالحقيقة يجلدون ذاتهم قبل أن يجلدوا الآخرين.
ونرى أيضا عل منصات الوسائل الاجتماعي أن هناك من هذه الفئة حريصة على الوطن وعلى شبابه؛ سعيًا منهم لإظهار الوطنية، ولكن الهدف عندهم استخدام سكاكينهم لسلخ جلد من يعارضهم أو من لا يتوافق مع أهوائهم، والأدهى من ذلك أن البعض منهم نصب نفسه «حامي الوطن» وأنه الشخص الذي لا يشق له غبار، فعلًا إن هذا يثير الشفقة على حالتهم النفسية، ونرثي قلة حيلتهم.
نقول للفئة الشاذة من الشباب الذين لا يعجبهم العجب العجاب: هل أنتم الوكلاء الوحيدون المعتمدون لشباب الوطن؟
إن الصفحات الشخصية لتلك الفئة الشاذة على مواقع التواصل الاجتماعي تكشف الكثير عن حالتهم الشخصية، وعن صحتهم النفسية، فمن خلال الاطلاع على البحوث والدراسات العلمية واستعانتها بتقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، تم رصد علامات تدل على اضطرابات نفسية لديهم، وإصابتهم ببعض الأمراض النفسية والاجتماعية، وأيضا اتضح للباحثين إن تشخيص حالة صحتهم النفسية يمكن متابعتها من النشاطات المنشورة على صفحاتهم، فمن خلال ما يتم نشره من صور لهم أو مقاطع فيديو، أو منشورات أصبح يدل على الحالة النفسية الخاصة بهم.
هناك بعض الدراسات العلمية كشفت أن الشخص الذي ينشر عبارات مسيئة أو يهاجم أشخاصا، فإنه يعاني من أمراض نفسية ومصاب بمرض الاكتئاب، فالكثير من أخصائيين الصحة النفسية والأطباء يربطون بين اللغة المستخدمة والحالة الصحية النفسية، فاللغة غير المترابطة أو تتضمن كلمات سلبية تدل على الإصابة بمرض انفصام الشخصية.
النصيحة المسداة لهذه الفئة الشاذة الذين يجيدون فن الإساءة مراجعة أقرب طبيب نفسي، وعلى مؤسسات الدولة وضع برامج لهم لتعديل سلوكياتهم، وعدم التغافل عنهم خوفًا من تطور حالتهم النفسية، فلا يعقل أن يكون كل واحد منهم ببغاء يردد ما يقوله الآخرون أو يكتبوا ما لا يعرفون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى