السياسات التربوية والتخبط في إتخاذ القرارات (2)

السياسات التربوية والتخبط في إتخاذ القرارات (2)
” إلغاء ناجح راسب في الثانوية العامة”
د.عامر بني علي العياصره
صدر حديثا قرار وطني تربوي مصيري للطّلبة والتعليم وهو” إلغاء ناجح راسب في الثانوية العامة حيث صدر هذا القرار عن مجلس التعليم العالي برئاسة الوزير حيث يقتضي هذا القرار  إلغاء ناجح راسب ومنح طلاب الثانوية العامة عددًا مفتوحا من الفرص لتقديم  الثانوية العامة “التوجيهي” ويطبق أيضا بأثر رجعي على الطّلبة الذين  استنفدوا فرصهم في النجاح قبل إصداره.ويتلخص القرار اعتماد مجموع العلامات الكلي للمواد التي يبدع فيها الطّالب بدلاَ من ناجح
راسب وليس اعتماد المعدل العام لكل المواد  ويجري حساب مجموع علامات الطالب كاملاَ بمجموع أعلى يصل إلى “1400” علامة  ومجموع كحد أدنى في القبول  ” 800″ علامة وتُحدد التخصصات للمتقدمين للامتحان على فئات تتمركز بين هذين المتوسطين مقارنة مع المجموع العام لباقي الطّلبة في ذات التخصص، فمثلاً: ” من يحصل على 1300 فأكثر يحق لهم التقدم لتخصص الطب، ومن يحصل على 1100 فأكثر يحق له التقدم لتخصص الهندسة، ومن يحصل
على 800 يحق لهم التقدم للتخصصات الإنسانية، ثم التخصصات المهنية،… الخ.
وصرح معالي وزير التربية : ” إنّ بتطبيق هذا القرار لن يكون هناك  طالب فاشل أو غبي لعدم استخدام مصطلحات تدل على الفشل فلا ينعكس على نفسيته( الطالب)  وأن هذا القرار يريح الطّلبة من لجنة الرحمة التي تتشكل من أجل النظر في العلامة الحدية التي يحتاجها المحققون منهم ليصلوا إلى درجة النجاح وبذلك فأنّ هذا القرار ألغى ما تعرف بلجنة الرحمة فلا قيمة لوجودها ضمن هذا القرارر.
وبالمقابل يا معالي الوزير  لا بد من تمييز الطّلبة عن بعضهم البعض ليتمكنوا علميا ويتميزوا تحصيليًا فقطعا لا  يتساوى الطالب المتفوق مع غيره وإن تساويا فهذا سيفقد المتميز قيمة
نجاحه فتقل بذلك دافعيته للعلم والانطلاق والإبداع.
نعم الجانب الإنساني مطلوب فيما تتخذه الوزارة من قرارات تربوية مصيرية  ولكن قبل ذلك يجب دراستها دراسة وافية شافية بعقد الورش الحوارية والندوات فيكون القرار بذلك قرارًا تشاركيًا بامتياز والخطأ فيه قليل أو غير وارد؛ لمناقشته مناقشة مستفيضة بايجابياته وسلبياته فأي قرار جديد
يجب أن يراعى فيه أثأره وانعكاساته على العملية التعليمية برمتها دون إغفال لأي عنصر من عناصر هذه المنظومة.
وبرائي المتواضع هنا فهذا القرار يجعل الطلبة  يتكلون و يركزون على مواد الحفظ  أمّا المواد التي تحتاج إلى الكثير من الفهم والتحليل كالرياضيات والفيزياء فيبتعدون عنها ولا قيمة لها
و بالتالي سوف يقل التحصيل المعرفي لديهم  بهذه المواد و هذا ينعكس سلبًا بالمستقبل ليس على الطّالب والمعلم والمدرسة وحسب إنما على المجتمع  برمته فإذا ما تمكن الطّالب من العلوم و الرياضيات و درسها بتعمق و فهم فلن يصبح مهندسًا أو عالمًا قادرا على الصناعة و الابتكار و إنما
تصبح مجرد عملية إشغال وظيفة لا أكثر  ولا يختلف اثنان بأن القرار خفف على الطلبة وأراحهم نفسيا وأولياء أمورهم بما يعانون من عبء التوجيهي ومنغصاته  إلى حد ما فلقي الوزير بقراره هذا دعمًا منهم لملامسته همومهم و مصالحهم.
فالجدية و الحزم مطلوبة في جميع المراحل الدراسيّة دون أن تُخصص بمرحلة معينة وأي بناء في العملية التعليمية التعلمية يترسخ أكثر ويؤتي ثماره في مراحل التأسيس(مرحلة الدراسة المبكرة) فيتعلم الطّالب بذلك الاجتهاد ويتحمل الضغوط و الظروف ولا يكون محدودا في قدراته و انجازاته. وفي تطبيق هذا القرار مستقبلا  ستظهر سلبيات أخرى كثيرة ويسجل هنا لمجلس التعليم
العالي بعد نظره بعدم الموافقة على هذا القرار وتقييده منهم بجعل النجاح بمادتي اللغة العربية والإنجليزية نجاحا إجباري وقد جاء هذا القرار بطريقه تشاركيّة ما بين وزارة التربية والجامعات
الحكومية والخاصة والتعليم العالي.
والناظر في قرارات وزارة التربية والتعليم يرى فيها خلاف ذلك حيث يرى أنها رحمة للطّلبة وعذاب للمعلمين فقرار ناجح راسب سيجعل الطّلبة لا يهتمون في دراستهم ببعض المواد
بينما يهتمون بمواد أخرى ويركزون عليها  فتزيد اللامبالاة بحصصهم ويقل انضباطهم واهتمامهم في الدوام  داخل المدرسة وعدم الاهتمام هو في حد ذاته عدم احترام وتقدير للمعلم والمدرسة وبحماية قانونية من الوزارة التي يفترض بها أن تصنع لهم بقراراتها مكانة وقيمة وهيبة.
  
مدرسة حسن الكايد المهنية الشاملة للبنين.
عضو نقابة المعلمين الأردنيين _ جرش _ سابقا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى