السوق السوداء للدروس الخصوصية / شبلي العجارمة

السوق السوداء للدروس الخصوصية

”أقسم بالله العظيم لو کل معلم يعطي درسه أثناء الحصة المدرسية بضمير وإخلاص مثل ما يعطي بالدرس الخصوصي کان ما احتاج الطلاب لدروس خصوصية“ ،بهذه العبارة اختتم الأستاذ حمزة معلم اللغة العربيٓة وشرب الشاي ليبتلع عبارته التي تحشرجت منها حنجرته وأخذ عليها نفساً عميقاً من تبغ الزغلول.
لم تعد إشکالية التعليم الحکومي والخاص تقف عند حد الرسوم والزي المدرسي والحقيبة والکتاب والدفتر والقلم ، ولم يعد مصروف الجيب قضية تٶرق أولياء الأمور لحد القلق، حتی أن بعد المسافة من البيت إلی المدرسة وقربه لم يعد يشکل عاٸقا أو يأخذ حيزاً للتفکير المعقد، وابتعد الجميع عن ضرورة صلاح المدرسة وبيٸتها وکوادرها ، وأمست القضية تتعقد أکثر وتأخذ شکلاً جديداًً وغريباً جداًً .
نشهد هذه الأيام زحمة علی أسماء المعلمين والمعلمات الذين يتخصصون في إعطاء الدروس الخصوصية وفي کل التخصصات، إرباكُُ مادي وحمل زاٸد فوق طاقة الأهل وشکلُُ آخر للفقر والجوع والحرمان ولکن بأثواب جديدة، والأهل ما بين سندان ابنهم أو ابنتهم المجتهد والمجتهدة أو العکس وبين مطرقة الجشع الذي بات يأخذ المعلم الذي کان قدوة المجتمعاتّ وافتراض الطهر الخالص فيه من شواٸب الدنس والانحطاط الأخلاقي لزمنٍ ليس ببعيد، فقد بات الأهل يبحثون عن أساتذة المعجزات وأنصاف الآلهة والمعلم بات نخبوياً ومدللاً في اختياره للطلاب ونوعيتهم من ناحية شکل البيت وسيارة الأهل الباهضة الثمن والوضع المادي ، هذه مقاييس بعض المعلمين والمعلمات للدروس الخصوصية .
من هذا المنظور ومن هذه النظرة باتت تسقط المٶسسة التربوية شيٸاً فشيٸا حتی أصبحت مجرد محطة عبور فقط، فهي لا تعني للطالب والطالبة أکثر من مقعد وساحة وحديقة وتبادل النکات والضحکاتّ العالية ومعلم أو معلمة التربية الإسلامية المادة العادية وغير المهمة حتی في المعدل العام .
هذه الصورة والمشهد المشوه تعيدنا إلی نقطة الصفر مرةً أخری فلا شك أنّ الطالب الفقير أو الطالبة الفقيرة ذهبوا أدراج رياح ارتکان المعلم لتوفير المعلومات الدسمة والزخم المعلوماتي خارج جدران الغرفة الصفية وأسوار المدرسة ليميز طلاب الدفع والمال والدروس الخصوصية عن أولٸك الذين لا يملکون ثمن درس خصوصي واحد أو ثمن الساندويشة خلال استراحة الفرصة وربما لا يملکون ثمن قلم الرصاص.
لم يتغير البناء المدرسي، ولم تتغير الصورة النمطية للمدرسة بکل کوادرها ،حتی المنهاج هو هو لطالب الدرس الخصوصي وللطالب الفقير والامتحان أيضاً هو هو لکليهما لکن ما الذي اختلف؟، فقط ما تغير هو القيم ومنظومة الأخلاق وما اختلف هو الضمير الذي بات کلباً جاٸعاً لقطعة لحم المال أو خبزة الدنانير، الذي تغير هو مفاهيم الإخلاص وشخصية المعلم وانهيار جدار ثقة الأهل بکل العملية التربوية والتعليمية وباتوا علی يقينٍ بأن العلامة والمعدل العام للتحصيل هو مرتهن بجوع العاٸلة وحرمانها وتقسيم غرفة الصف إلی قسمين قسم يدفع وقسم لا يملك أنّ يدفع،وأن فرحة النجاح هي هبة وهدية وأعطية من مدرس ذاٸع الصيت أو مدرسة منفوخة بالذات وهي فرحة عالية علی کعوب الفقراء القصيرة وأيديهم القاصرة برغم أعينهم المبصرة والبصيرة .
السوق السوداء مصطلح تم نحته من اللغة لکل شيء ممنوع أو يباع خارج القانون أو للتهرب الضريبي ،قبلنا به مع مقتنا له وامتعاضنا منه ، لکن أنّ يصبح المعلم تاجراً في فرح الخواطر وسعادة القلوب أو أن يصبح للعلم بسطة طاغية في السوق السوداء وحسب الطلب والبيع لأعلی سعر هذا ما بات مشهداً مخيفاً ونذير شٶم وقلق باتّ شبحاً يخيم علی کل بيت وسيدخل تلك البيوت رغم رفضنا القاطع بأنّ يتحول الطالب وأهله إلی سوق استهلاك لبضاعة معلمي الدروس الخصوصية في السوق السوداء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى