السهامُ القاتلة
م. #أنس_معابرة
يُحكى أنه على هضبة في جنوب السويد عاش أحد #العمالقة الذين لا يحبون الإختلاط بالآخرين، ويفضلون #إعتزال الناس والإبتعاد عنهم، وعاش هذا العملاق في أمن وأمان مدة من الزمان.
وفي أحد الأيام اقتحم هضبته أحد رعاة الأغنام، كان يبحث عن مكان مناسب لأغنامه، يحتوي على الكلأ والماء، ولم يدرِ أن هذه الهضبة حكراً على العملاق.
غضب #العملاق غضباَ شديداً، وتوجه الى #الراعي للفتك به، وما أن وصله حتى حمل صخرةً كبيرةً وطحنها بين يديه، وقال للراعي: غادر هذه الهضبة حالاً وإلا سحقتك كما سحقت الصخرة للتو.
ولكن الراعي كان داهية؛ فأخرج قطعة من الجبن من حقيبته وعصرها بين أصابعه وقال للعملاق: لن أتحرك من مكاني، وإن لم تذهب من هنا، سأعصرك تماماً كما عصرت الحجر في يدي.
وبما أن أحدهم قوي #البدن، والآخر قوي #العقل، ولا يخشى أحدهما الآخر، ولا يوافقان على التنازل، فقد قررا الإقتتال.
ولكن الراعي طلب من العملاق أن يجلسا قليلاً ليتبادلا الشتائم والإهانات لرفع مستوى الغضب لكلاهما، ومنها يندفعان الى الإقتتال فيما بينهم، ووافق العملاق على ذلك.
بدأ العملاق بشتم الراعي بأنه قصير جداً، وحين جاء دور الراعي في الشتم أخرج من كنانته سهماً ووضعه في قوسه وأطلقه على العملاق ليستقر بصدره. وجمتْ الصدمةُ العملاق لبرهة، ثم سأل الراعي مشيراً الى السهم العالق في صدره: ما هذا؟ فقال الراعي: إنها إهانة، فسأل العملاق: ولماذا عليها بعض الريش؟ فأجاب الراعي: لكي تطير إليك بسهولة، فسأل العملاق: ولماذا إلتصقت في جسدي؟ فأجاب الراعي: لأنها إنغمست في جسدك عميقاً لتسبب لك النزف والألم.
جاء دور العملاق في الإهانة، فسخر من شكل أنف الراعي، وعندما جاء دور الراعي في إهانة العملاق، أخرج سهماً آخراً، وكرر ما فعله سابقاً، ليستقر السهم الثاني بجانب أخيه في صدر العملاق.
هنا سأل العملاق: هل لديك الكثير من هذه الإهانات المؤلمة؟ قال الراعي: طبعاً، فقال العملاق: ابق حيث أنت سأترك أنا الهضبة لك، فإذا كنتُ لا أقوى على شتائمك وإهاناتك، فكيف أقوى على قتالك.
أنا أحب القصص والحكايات وأبحث عنها دائماً، ولكن هذه الخرافة تمتاز بأن لها بعداً آخر، ومن الممكن الإحساس بالحكمة الصادرة منها بأشكال مختلفة.
الكلمات سهام مؤلمة، وقد تكون قاتلة، وسخريتنا من الآخرين وإهانتهم قد يترتب عليها خسارة في الأرواح، فكم سمعنا عن أناس ماتوا قهراً لأنهم لم يحتملوا مقدار الإهانة الذي صبه أحدهم عليهم؟
وقد تتطابق هذه القصة مع موروثاتنا المحلية التي تنص بأن الكلمات كالسهام، ما إن خرجت حتى لا يمكن إعادتها الى القوس مجدداً، ولكن كلمات الراعي هنا كانت سهاماً حقيقية أصابتْ جسد العملاق وسببتْ له الكثير من الألم، في حين أن كلماتنا سهام معنوية تصيب القلوب بالألم والحسرة، وقد تتفطر بسبب ذلك الألم.
والشيء بالشيء يُذكر؛ فكما أن كلماتنا قد تكون سهاماً قاتلة، فلماذا لا نتخذها سلاحاً ضد أعداءنا، سلاحاً نقاتل فيه خصوم أمتنا، وندافع فيه عن حقوقنا المسلوبة، ونطالب فيه بإحقاق الحق وإبطال الباطل.
ويمكن القول بأن الكلمات سلاح ذو حدين، الحد الأول هو السهم القاتل الذي يؤذي الآخرين، والحد الثاني هو البلسم الذي نضعه على جراح المكلومين، ونطيب به خاطر المكسورين، ونعزي فيه الأرواح المنكسرة، ونجبر فيه القلوب الضعيفة.
كل ما عليك فعله هو أن تتحكم في سهامك جيداً، أطلقها حيث يلزم، وعلى من يستحقها، ولتكن كلماتك بلسم لمن يحتاجها ويحتاجها.