السلفيون / د . هاشم غرايبة

السلفيون

لقد باتت السلفية في مفهوم الكثيرين رديفا للتشدد والميل لفرض صورة عنيفة متطرفة للدين، رغم أنها في الأصل ليست كذلك، فمن يعتبر نفسه سلفيا يدعو الى العودة إلى الكتاب والسنة في العقيدة والعبادة والأخلاق وجميع أنظمة الحياة، وبالتالي فهو يتبع الصحابة والتابعين وتابعيهم، ومنهجه في ذلك وعظي إرشادي وليس فرضه بالقوة.
ومن مشاهير السلفية كان أحمد بن حنبل وابن تيمية وابن القيم الجوزية ومحمد بن عبد الوهاب، لكن هؤلاء لم يشتركوا في فكر واحد، بل كان لكل منهم رؤيته وبرنامجه المرتبط بمشكلات عصره، إلا أن المتشددين من الذين جاءوا في عصور لاحقة وكانوا يبحثون عن مرجعية فقهية لتشددهم ، وجدوا في بعض طروحاتهم ما يرتكزون عليه ويبررون به منهجهم .
مثال على ذلك: ما كان يدعو له ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من استنهاض للعزيمة وبث روح الجهاد كان بسبب ظرف خاص وهو سقوط البلاد في يد المغول وانهيار الدولة، استغل فتاويه من يقومون بالأعمال الإرهابية ضد المسلمين وليس ضد الأعداء المحتلين، فاتهموا من لا يلقي لهم بالبيعة بالردة، وبناء على ذلك استحلوا دماء الناس وأعراضهم وأموالهم، فقدموا خير خدمة لأعداء الإسلام بتشويه صورته وبذلك تم تبرير ضرب المجاهدين الحقيقيين بخلط الأوراق.
في المفاهيم الفكرية لا يختلف السلفيون عن غيرهم من المسلمين في أن الإقتداء بالسلف الصالح منجاة، لكن عند البحث عن حلول المأزق الراهن تتباعد الأفكار، وينقسم الناس الى فريقين: الأول يؤمن بأن ما اجتهد به السلف الصالح كان نابعا من فهمهم لمقاصد الشريعة ومتسقا مع متطلبات ذلك الزمان، وبما أن اللاحقين ليسوا أقل فهما وعلما وحمية على التمسك بالدين بدليل قوله تعالى:”وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ*أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ*فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ*ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ*وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ”، أي أن السابقين ليسوا من السلف الصالح فقط، بل هم من قليل من الآخرين أيضا.
والفريق الثاني هو الذي يخشى على الدين أن تنتقض عراه بالتوسع في الإجتهاد، ويبلغ بهم الحذر أن يغلقوا دونه الأبواب، لكن ذلك يتناقض مع طبيعة الدين الصالح لكل زمان ومكان، ومن غير الممكن لأولئك السلف على علمهم أن يُلمّوا بكل محدثات الدهور القادمة بسبب معلوماتهم المحدودة عن المعارف والعلوم وأحوال البشر البعيدين.
لعل أقرب مثال على جمود المتشددين من السلفيين قضية اعتبار لبس الدشداشة القصيرة واطلاق اللحية ولبس العمامة والسواك من دلالات اتباع السنة، فيما أن كل ذلك نمط اجتماعي كان سائدا عند العرب قبل الإسلام والتزم به النبي (ص) بحكم أنه معتاد وليس سمة إسلامية، إذن فهو ليس سنةً، ومن الجمود الإصرار على استعمال السواك بدل فرشاة الأسنان ، هنا يبرز الفارق في فهم السنة عند المسلمين المتنورين فهم يستعملون فرشاة الأسنان الحديثة ولا يلبسون الدشداشة لأنها غير صالحة لكل المناطق ، ولا يعتبرون أنهم بذلك خرجوا عن السنة، بل يضربون بوعيهم للآخرين مثلا فيقبلون على الدين .. ولذا يهتدي بهم الناس كما فعل السلف الصالح.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى