السلفية بين الأصل والتحريف

#السلفية بين #الأصل و #التحريف
بقلم د. #هاشم_غرايبه
في حديث منشور لأحد شيوخ السلفية، يهاجم فيه المقاومين في غzة، وينفي عنهم صفة المجاهدين، كونه يعتبر الجهاد لا يجوز إلا بأمر ولي الأمر.
واضح تماما أنه يتحدث بلسان أولياء نعمته المعروفين بعمالتهم للغرب، والذين تمكنوا في القرن العشرين من الاستيلاء على السلفية الأصيلة، فحرفوها عن مقاصدها وجعلوا لها مسميات مختلفة كالوهابية أو المدخلية أو الأحباش أو التكفير والهجرة ..الخ، بهدف تفريغ الاسلام من عنصر قوته وهو الجهاد، فقالوا إنه ليس بفريضة، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنه فريضة عين، وذلك لأجل تجريم المقاومين لاحتلال الغرب لديار المسلمين، حماية للكيان اللقيط وعمالة لمن أوجدوه.
بداية يجب توضيح مفهوم السلفية.
السلفية ليست منهجا فكريا، ولا هي فرقة اسلامية، بل هي إحدى النزعات البشرية المتفرعة من النزعة الفطرية الأنانية، والنابعة من تعظيم الشخص لجذوره واعتزازه بأصله، وذلك ما فسره قوله تعالى: “إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ” [الزخرف:23].
من هنا فالميل لاتباع أفكار الأجداد نزعة فطرية، واتباع معتقداتهم سواء منها الدينية أو الإجتماعية التي تنعكس بشكل تقديس عاداتهم وتقاليدهم، استجابة لهذه النزعة.
إن اتباع الموروث من غير إخضاعه للعقل ليس صوابا: “أَوَلَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْـًٔا وَلَا يَهْتَدُونَ” [البقرة:170]، ولكن لأن العقل ليس حكما مرجعيا، فعلمه تجريبي وصحته نسبية قابلة للتعديل والنقض، فقد جعل الخالق الفطرة النقية هي المعيار المرجعي للإنسان، ولضمان عدم طغيان المصالح عليها وإفسادها أنزل الدين وتشريعاته، أي أن الثابت المرجعي هو ثنائية الفطرة – الدين، والمتغير المتحرك هو ثنائية العقل – الغريزة.
وعليه فلا يكون الحكم صوابا إلا ان طابق المتغير الثابت ولم يناقضه.
لقد نشأت السلفية الإسلامية كحركة فكرية، في القرن الثالث الهجري مع ظهور الإمام ابن حنبل، وكانت همُّها التصدي لأفكار فرق المتكلمين المتأثرين بالمذهب العقلي لفلاسفة اليونان، لذا كان الخلاف على دور العقل والنقل.
في القرن الثامن ومع غزو المغول أعاد “ابن تيمية” إحياء الفكرة بهدف استنهاض روح الجهاد، ونجح بهذه الوسيلة في احياء الهمم والتمهيد لرد المغول.
وفي القرن الثامن عشر، أعاد محمد بن عبد الوهاب نشر الفكرة، وانتشرت بين المسلمين لاعتقادهم أنها تعني التمسك بثوابت الدين، واكتشف الانجليز ميل الناس إليها، فاخترقوها بواسطة عملائهم في نجد الطامحين لحكم الجزيرة العربية بكاملها، وتمكنوا من احتوائها، لتتحول من حركة فكرية، الى أداة سياسية للدفاع عن أنظمة الحكم الموالية للغرب.
يمكن تمييز المنتمي الى هذه التنظيمات الممولة من الأنظمة الموالية للغرب، من السلفي الحقيقي الحريص على الدين، من موقفه السياسي، فهو يدعو لطاعة الحاكم بالمطلق ويهاجم المجاهدين والدعاة لتحكيم منهج الله.
أما موقفهم الفقهي، فهو الدعوة لتحنيط الدين وفصله عن حياة الناس لتسويغ التوجهات العلمانية لأنظمة الحكم العربية.
ويرتكز على:

  • إنكار دور العقل، ورفض التفكر في غير ما قال به السلف الصالح.
  • التشدد في استنساخ الأحكام الفقهية كما وردت في الأثر وليس من مصدر التشريع (القرآن)، من غير مراعاة تغير أحوال المكان وتطور الزمان بعد مرور اثني عشر قرنا.
  • الإقتصار على التفسير الظاهري للقرآن، وعدم تقبل استخدام المعارف الجديدة التي توصل إليها العلم ولم تكن معروفة أيام السلف الصالح في تقديم تفاسير معاصرة.
  • لا يقبلون التفسير العلمي وتطوير الفقه، وليس لهم ثقة بعلماء الفقه والتفسير والشريعة المعاصرين، وينظرون بريبة الى كل أفكارهم، ومن ينتهج من فكر إسلامي غير ما ينتهجون يشككون في إيمانه وفي دوافعه.
    هكذا وبسبب ما سبق أصبح التشدد سمة غالبة على السلفية المحرفة، فسوّغت الانضمام للمجاهدين الأفغان عندما كانت برعاية أمريكية، ثم عادت واعتبرت المجاهدين إرهابيين بعد أن عادوها.
    خطورة هذه الجماعات، أنها انشغلت بمقارعة مخالفيها أكثر من التصدي لأعداء الأمة الذين يستهدفون الجميع متشددين ووسطيين، كما أنها باتت عونا للأنظمة الممانعة لعودة الدولة الإسلامية، بتجريمها للإسلام السياسي.
    لذلك لا جرم أن نراهم الآن في صف المتخاذلين، وبذريعة قصة المغامرة غير المحسوبة يناوئون الأبطال المقاومين.

اعلان
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى