السلام …!

#السلام …!

بقلم م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران

الدخول في الحرب لأجل نشر السلام في العالم، كانت هذه هي المبادئ التي دخلت لأجلها الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الأولى في العام 1917م، وهو العام ذاته الذي أطلق فيه وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور وعده الشهير بوطن قومي لليهود في فلسطين، ولو دققنا قليلاً سنجد بأنها ذات المبادئ التي يعلنها الرئيس ترامب اليوم بعد أكثر من 100 عام كأساس لسياسته (السلام من خلال القوة)، ولو رجعنا للدور الأمريكي الحالي والحرص الدائم على الحفاظ على الهيمنة الاقتصادية والعسكرية على العالم سنجد بأن جذور هذه السيطرة بدأت منذ الحرب العالمية الأولى، عندما قرر الرئيس ويلسون كسر حالة الحياد بعد ثلاث سنوات من اندلاع الحرب والدخول بها بشكل رسمي إلى جانب فرنسا وبريطانيا وروسيا في مواجهة ألمانيا ومن معها من دول العالم، برغم أن الجيش الأمريكي النظامي كان وقتها بالكاد يتجاوز 100 ألف مقاتل فقط، ولتخرج من الحرب بجيش تجاوز عدد المشاركين فيه 4 ملايين وكان سبباً رئيساً في الانتصار العسكري للحلفاء في الحرب، إلى جانب انتصار آخر لا يقل أهمية وهو النصر الاقتصادي بالخروج من الحرب دائنة لمعظم إن لم يكن لجميع الدول التي تحالفت معها، ولتبدأ من هنا الهيمنة الاقتصادية والسيطرة العسكرية الأمريكية على العالم، وهو الأمر الذي ترسخ أكثر فأكثر بعد الحرب العالمية الثانية وصولاً إلى ضرب اليابان بالقنابل النووية الأمريكية لإجبارها على الاستسلام.

ثم جاء دعمها اللامحدود لدولة الاحتلال في فلسطين بعد زرعها وسط منطقتنا العربية بعد سنوات من الحرب العالمية الثانية، لتكون عينها التي ترى بها ويدها التي تبطش بها بل وقلبها الذي تتنفس به مصالحها في منطقتنا، وربما كان من الضروري هنا إزالة الغرابة عن هذا الدعم بمعرفة أن المسيحية البروتستانتية الأكثر انتشاراً في الولايات المتحدة والتي يتم تنصيب الرؤساء فيها في كنيستها حتى يومنا هذا تقوم على معتقد أساسي وإيمان راسخ بأن عودة المسيح لا تتحقق إلا بعد تجمع اليهود في أرض فلسطين وسيطرتهم على (الأرض المقدسة) وبناء الهيكل فيها من جديد!

مقالات ذات صلة

ومن هنا نرى مساندة الولايات المتحدة المستمرة والمعلنة لدولة الاحتلال برغم كل الجرائم الإسرائيلية المتراكمة في غزة منذ ما يقارب العامين، وبرغم وقوف معظم دول العالم ورفضها لهذا الاجرام ومطالبتها المستمرة بوضع حد له، بل وحتى بعد خروج معظم دول العالم للاعتراف رسمياً بدولة فلسطين في الأمم المتحدة ورفضها للإجرام الإسرائيلي المستمر في الأراضي الفلسطينية، إيماناً من معظم هذه الدول بالسلام العادل الشامل كحل مستدام للقضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي يتطلع إليه ويحلم به كل فلسطيني منذ احتلال أرضه في العام 1948 للعيش فيها بحرية وكرامة كبقية شعوب الأرض، ولا يرى في المقابل سوى احتلال يمعن في قتله وتهجيره وتدمير كل مقدراته كل يوم أكثر وأكثر، بل ويصوره بأنه هو الإرهابي والمصاص للدماء والعاشق للقتل والدمار، فهل مثل هذا الاحتلال يمكن أن يكون شريكاً حقيقياً في السلام، وهو المستمر في الانتقام من كل شيء له علاقة بفلسطين وأهلها منذ أول يوم احتل فيه الأرض وأخرج منها أهلها بالقوة، وهو الذي يمارس أمام أنظار العالم إبادة جماعية في غزة راح ضحيتها عشرات الآلاف من الفلسطينيين حتى الآن ولا يترك بشراً ولا حجراً إلا ويترك ثأراً له معه، وتأتي المفارقة التي تعيدنا لبداية سطور هذا المقال في وقوف رئيس حكومة الاحتلال في الأمم المتحدة معلناً بأن كل هذه الجرائم هدفها إحلال السلام في المنطقة أيضاً!

السلام الذي يقتل الاحتلال كل فرصة له مع أي إنسان يطمح له معه، وينكر حق الفلسطينيين حتى في الحياة كبقية البشر، ويمارس الإجرام والإرهاب الذي سيبقى دائماً السبب الأكبر لإنبات جذور الإرهاب والتطرف أكثر وأكثر في المنطقة بأسرها، وبرغم ذلك يبقى السلام مطمح لكل الشعوب الحرة الكريمة السوية سواء كانت في فلسطين أو في الدول العربية أو الإسلامية أو حتى في كل أرجاء العالم، وهو المبدأ الأصيل في صلب الدين الإسلامي والديانات السماوية التي تحث وتشجع عليه دائماً، ويبقى السؤال الأهم ترى هل يمكن تحقيق هذا السلام وشلال الدم الفلسطيني لا يتوقف سواء في غزة أو الضفة الغربية أو كل أرجاء فلسطين، بل وحتى في كل الدول العربية والإسلامية التي يستمر الاحتلال في الاعتداء عليها واستباحة كل شيء فيها بدون خجل أو احترام لأي معايير أو قيم إنسانية أو قوانين دولية، وهل يمكن أن يتحقق قبل حصول الفلسطيني على حقه الطبيعي في أرضه في العيش فوق ترابه بعزة وكرامة وأمن وأمان واستقرار وحرية كسائر شعوب الكرة الأرضية، سؤال سيبقى حائراً تجيبه الأشلاء والدماء الفلسطينية المتناثرة فوق أرض فلسطين كل يوم.

وفي المقابل لا يمكن أن نختم سطورنا بدون التوجه لمن تتعلق قلوبنا بهم في أرض غزة العزة والكرامة، من يسطرون كل يوم سطوراً جديدة في الإباء والكبرياء والإيمان والثبات الراسخ الذي أصبح درساً من دروس التاريخ، وسنبقى ندعو لهم بين كل لحظة وأخرى بالفرج العاجل لهم ولكل أهل فلسطين بإذن الله، وبأن يعوضهم الله أجمل العوض عن ثباتهم وصبرهم وتضحياتهم، وأن يجعل قادم أيامهم أياماً تداوي جراحهم وتكون عنواناً جديداً للأمل والفرح، وتمحوا من قلوبهم كل ألم ومرارة ووجع مر بهم ويمرون به حتى كتابة هذه السطور.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى