السجـين وفرصة النجاة / أحمد قاسم شخاتره

السجـين وفرصة النجاة

احد السجناء في عصر لويس الرابع عشر محكوم عليه بالإعدام ومسجون في جناح قلعة ، هذا السجين لم يبق على موعد إعدامه سوى ليله واحده ، ويروى عن لويس الرابع عشر ابتكاره لحيل وتصرفات غريبة وفي تلك الليلة فوجئ السجين بباب الزنزانة يفتح ولويس يدخل عليه مع حرسه ليقول له أعطيك فرصه إن نجحت في استغلالها فبإمكانك أن تنجوا ! ، هناك مخرج موجود في جناحك بدون حراسه إن تمكنت من العثور عليه يمكنك الخروج وان لم تتمكن فإن الحراس سيأتون غدا مع شروق الشمس لأخذك لحكم الإعدام.
غادر الحراس الزنزانة مع الملك بعد أن فكوا سلاسله وبدأت المحاولات وبدا يفتش في الجناح الذي سجن فيه والذي يحتوي على عدة غرف وزوايا ، ولاح له الأمل عندما اكتشف غطاء فتحه مغطاة بسجاده باليه على الأرض ، وما إن فتحها حتى وجدها تؤدى إلى سلم ينزل إلى سرداب سفلي ، ويليه درج أخر يصعد مره أخرى ، وظل يصعد إلى أن بدأ يحس بتسلل نسيم الهواء الخارجي ، مما بث في نفسه الأمل إلى أن وجد نفسه في النهاية في برج القلعة الشاهق ، والأرض لا يكاد يراها ، عاد أدراجه حزينا منهكا ، و لكنه واثق أن الملك لا يخدعه ، وبينما هو ملقى على الأرض مهموم ومنهك ، ضرب بقدمه الحائط وإذا به يحس بالحجر الذي يضع عليه قدمه يتزحزح ، فقفز وبدأ يختبر الحجر فوجد بالإمكان تحريكه ، وما إن أزاحه وإذا به يجد سردابا ضيقا لا يكاد يتسع للزحف ، فبدأ يزحف وكلما زحف كلما استمر يزحف بدأ يسمع صوت خرير مياه وأحس بالأمل لعلمه إن القلعة تطل على نهر ، لكنه في النهاية وجد نافذة مغلقة بالحديد أمكنه أن يرى النهر من خلالها ، عاد يختبر كل حجر وبقعه في السجن ربما كان فيه مفتاح حجر آخر لكن كل محاولاته ضاعت سدى والليل يمضى.
واستمر يحاول…… ويفتش….. وفي كل مره يكتشف أملا جديدا… فمره ينتهي إلى نافذة حديدية ومرة إلى سرداب طويل ، ذو تعرجات لا نهاية لها ليجد السرداب أعاده لنفس الزنزانة.
وهكذا ظل طوال الليل يلهث في محاولات وبوادر أمل تلوح له ، مره من هنا ومره من هناك ، وكلها توحي له بالأمل في أول الأمر لكنها في النهاية تبوء بالفشل.
وأخيرا انقضت ليله السجين كلها ولاحت له الشمس من خلال النافذة ، ووجد وجه الملك يطل عليه من الباب ويقول له : أراك لازلت هنا قال السجين كنت أتوقع انك صادق معي أيها الملك ….. قال له الملك … لقد كنت صادقا سأله السجين…. لم اترك بقعه في الجناح لم أحاول فيها فأين المخرج الذي قلت لي: قال له الملك لقد كان باب الزنزانة مفتوحا وغير مغلق!
تصور أخي القارئ سجناً يحوي خلف أسواره وزنزاناته عشرة ملايين شخص أو أكثر بقليل (كهولاً وشباباً ونساءً وأطفال) ، وتخيل حجم التخبط الذي سيحصل عندما يصدر حكم الإعدام بحق كل هؤلاء الأشخاص ، ولك أن تبحر في حجم الكارثة التي ستقع عند إعطاء فرصة النجاة لشخص واحد فقط من بين كل هذا الكم الهائل من البشر، سيحاول كل شخص قادر على الصراع أن يصل لهذه الفرصة الوحيدة لبقائه على قيد الحياة ، مستثنيا في ذلك الأطفال وبعض النساء وبعض الكهول وغيرهم ممن يعانون من إعاقات جسدية ونفسية ، الكل سيحاول ، والكل سيستخدم أي طريقة للوصول الى ذلك الباب،إما أن يقتل غيره أو أن يلجأ إلى الحيل الخبيثة وغيرها من الأساليب المتوحشة لتحقيق مبتغاه ، سيستمر الصراع وتستمر الجريمة وتستمر المعاناة إلى ما لا نهاية ، لأنه لن ينجوا إلا شخص واحد في النهاية ، وسيبقى البقية بانتظار تنفيذ حكم (الموت) .
هذا ما نعيشه في هذه الأيام ، فحكومتنا تتلاعب في مصائرنا وقدرنا كيفما شاءت ومتى أرادت ذلك ، نراها تارة ترفع جميع الأسعار وتارة تعطينا قليلا من الأمل عند تخفيضها للأسعار ، وليس ارتفاع الأسعار هو المشكلة الوحيدة بل الكثير الكثير من المشاكل ، ولكنه مثال لجبروت هؤلاء الأشخاص ، وفي كل مرة تقال بها الحكومة ننتظر أن يأتي أحد الأشخاص لكي ينقذنا مما نحن فيه ، ونستبشر من كلامه وخطاباته العالية الجودة والمؤثرة ، وفي نهاية المطاف نرجع لنفس المقولة البالية (ما ….. من عمّار إلاّ عميره ) .
وكما قيل قديماً : “كل الطرقات تؤدي إلى روما” ، ولكن طرقات حكوماتنا لا تؤدي إلى روما , بل تؤدي إلى (الإبادة الجماعية البطيئة) .
وفي النهاية فإن السبيل الوحيد لنجاتنا هو الموت فقط .
وإنا لله وإنا إليه راجعون .

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى